الطريق إلى انقرة .. قراءة في المشهد الانتخابي التركي
14-05-2023 01:47 AM
عمون - نشر معهد السياسة والمجتمع تقريرا يتضمن قراءة في المشهد الانتخابي التركي اليوم، وهو عبارة عن وقائع ندوة شارك فيها مجموعة من الخبراء والباحثين العرب تناولت الابعاد الداخلية والدولية والاقليمية المتعلقة بالانتخابات.
وهذه ابرز الافكار الواردة في التقرير:
معهد السياسة والمجتمع
يتوجه الأتراك اليوم في 14 مايو/أيار عام 2023 إلى صناديق الاقتراع في انتخابات هي الأولى منذ تغيير النظام إلى رئاسي عام 2018 وبالتزامن مع ذكرى مئوية الجمهورية التركية، في وقت حسّاس تعيشه تركيا في الداخل وفي علاقاتها الخارجية.
الانتخابات الثانية والعشرين تدخل في حسابات لربما هي الأعقد منذ بداية الألفية الجديدة، فحزب العدالة والتنمية وتحالفه (الجمهور) الذي يرأسه، رجب طيب أردوغان، يواجه قوى منافسة تكاد تكون هي الأشرس منذ توليه زمام السلطة عام 2002 بعد أن اتفقت الطاولة السداسية (تحالف الأمة) التي تضم قوىً من اليمين واليسار، وانضم لاحقًا حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، على دعم مرشح واحد لخوض الانتخابات الرئاسية وهو، كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري والخصم التقليدي للرئيس التركي، وسط أزمة اقتصادية حادة وغلاء معيشي وتداعيات للزلزال المدمر الذي ضرب 11 ولاية في البلاد إلى جانب ملف اللجوء العاثر، يرافقه تحولات دولية وإقليمية واستدارات قامت بها أنقرة مؤخرًا في سياستها الخارجية تجاه المنطقة والعالم.
أمام هذا الزخم من التحولات المتوقعة والحسابات المعقدة، عقد معهد السياسة والمجتمع ندوته:
"الطريق إلى أنقرة: المشهد والتداعيات المحتملة – الانتخابات التركية 2023" عبر تقنية الاتصال الافتراضي Zoom في 10 مايو/أيار الجاري في محاولة لتسليط الضوء على التداعيات المحتملة لنتائج الانتخابات الرئاسية – البرلمانيّة المترقبة سواءً على صعيد المشهد الداخلي التركي أو على صعيد المشهد الإقليمي – الدولي.
استضافت الندوة الحوارية:
- فراس إلياس: أستاذ الاستراتيجية والأمن الوطني في كلية العلوم السياسية جامعة الموصل.
- علي باكير: أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر.
- بدر الماضي: أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الألمانية.
وأدار الحوار الزميل: محمد الأمين عساف
في هذا التقرير التفصيلي سنستعرض أهم النقاط التي ذكرها الضيوف في مداخلاتهم خلال الندوة، لنعطي إحاطة عامة حول حظوظ القوى المتنافسة، والتداعيات المحتملة على مستقبل السياسية الخارجية التركيّة.
- فراس إلياس:
"قبل أن تكون هذه الانتخابات مفصلية، كما عبّر عنها تحالف الطاولة السداسية، أو انتخابات مفترق الطرق، كما عبر عنها تحالف الجمهور، فهي تمثل محاكمة سياسيّة لتجربة حزب العدالة والتنمية بعد عام 2002 واستفتاء على شرعية الرئيس أردوغان ومدى مقبوليته في الشارع التركي، إلى جانب استفتاء على طبيعة النظام الرئاسي على اعتبار أن هذه الانتخابات هي الأولى التي سوف تجري وفق هذا النظام الرئاسي".
• تحالفان رئيسيّان يتصدران المشهد: تركيا اليوم أمام تحالفين رئيسيين تشتد المنافسة بينهما، هما، التحالف الجمهور، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية إلى جانب أحزاب أخرى متحالفة معه وهنا نتحدث عن حزب الحركة القومية وحزب الرفاه الجديد وكذلك أحزاب صغيرة أخرى. وتحالف المعارضة وما يُسمى بتحالف الطاولة السداسيّة الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري إلى جانب أحزاب أخرى؛ مثل حزب الجيد وحزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم وكذلك حزب السعادة، وانضم حزب الشعوب الديمقراطي مؤخرًا.
إلى جانب تحالفين آخرين يأتيان في المستوى الثاني من هذه التحالفات الرئيسية، وهما تحالف البلد الذي يقوده محرم إنجه -الذي أعلن انسحابه مؤخرًا لكن ما يزال على قوائم التصويت- المنافس السابق للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية الماضية والمنشق عن حزب الشعب الجمهوري. وكذلك تحالف الأجداد الذي يقوده سنان أوغان، وهو خليط من أحزاب قومية متشددة أتت لتنضم في تحالف واحد بعيدًا عن التحالفات السابقة.
• الكفة قد تميل للمعارضة في نتائج البرلمان: قانون الانتخابات (هوندت) الذي سوف تجري بموجبه هذه الانتخابات سيلعب دورًا كبيرًا في إنتاج برلمان مقسم على العديد من الأحزاب، بالتالي هذا ما يفسر وجود استراتيجيات مختلفة اعتمدها كل تحالف بالدخول في هذه الانتخابات بناءً على هذا القانون الذي تم إقراره عام 2022 في المجلس الوطني التركي الكبير(البرلمان) وهو الذي بموجبه ستجري الانتخابات الحاليّة، على الرغم من هذا القانون تم تطبيقه منذ عام 1961 إلا أنه في هذه الانتخابات طرأ عليه تعديل بسيط وهو تعدد القواسم الانتخابية، أي تقسيم الأصوات التي سوف يحصل عليها كل تحالف على عدد القواسم الانتخابية التي من الممكن أن تترجم الأصوات إلى مقاعد انتخابية. لكن حزب العدالة والتنمية ارتأى، على الرغم من أنه يقود تحالف الجمهور، الدخول بمرشحيه بأسماء حزب العدالة والتنمية، وكذلك الأمر مع حزب الحركة القومية وكذلك حزب الرفاه الجديد. على الجانب الآخر، نجد في تحالف المعارضة الكثير من الأحزاب المنضوية ضمن هذا التحالف دفعت بمرشحيها ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري باستثناء حزب الجيد و كذلك حزب السعادة، لكن حزب المستقبل (داوود أوغلو) وحزب الديمقراطية و التقدم (بابا جان) دفعا بمرشحيهما ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري، وبالتالي هذا ما قد يعطي بمعنى أدق أرجحية لحزب الشعب الجمهوري ليحصل على المزيد من المقاعد داخل المجلس الوطني التركي الكبير في الانتخابات المقبلة، ما قد يعطيه أرجحية لحزب الشعب الجمهوري لأن يمتلك أغلبية حرجة قد تدفع به إلى انتزاع الأغلبية التي يستحوذ عليها حزب العدالة و التنمية تحديدًا منذ عام 2002 وحتى هذه اللحظة.
• تحالفات مركبة عنوانها المصالح السياسية: التحالفات الانتخابية اليوم هي تحالفات مركبة وقائمة على أساس المصالح السياسية وكذلك على أساس تطابق المواقف السياسية، فهي ليست تحالفات أيديولوجية. وداخل كل تحالف هناك تقسيمات سياسية واضحة؛ على مستوى تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة والتنمية وهو حزب يميل إلى يمين الوسط، هناك أيضًا حزب الحركة القومية الذي يعد حزبًا يمينيًّا قوميًّا، إلى جانب حزب الرفاه الجديد وهو قريب سياسيًّا إلى حد ما من حزب العدالة والتنمية مع فروقات بسيطة.
على الجانب الآخر، هناك تحالف المعارضة الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري وهو حزب يساري علماني، وهناك حزب الجيد وهو حزب قومي وحزب السعادة وهو حزب ذو توجه إسلامي معتدل، وهناك حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم اللذان يقودانه أحمد داوود أوغلو وعلي بابا جان وهما منشقان مؤخرًا عن حزب العالة والتنمية 2019، وهما أيضًا قريبان سياسيًّا من حزب العدالة والتنمية لأنهما يختلفان فقط على مستوى المواقف السياسي. وبالتالي، نحن أمام أعقد انتخابات قد تكون في تاريخ الجمهورية التركية بسبب هذا التداخل الواضح على مستوى التحالفات؛ فهناك اختلاف جذري على مستوى المواقف السياسية وهذا يعطي أهمية لطبيعة النتائج التي سوف تتمخض عنها هذه الانتخابات.
• فجوة البرامج الانتخابية: نظرة بسيطة على طبيعة البرامج الانتخابية التي اعتمدتها التحالفات المشاركة في هذه الانتخابات ستظهر فجوة كبيرة ما بين برنامج انتخابي قدمه حزب العدالة والتنمية ضمن مسمى تحالف الجمهور وهو نموذج يثقل بالإنجازات سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي حتى على المستوى الاجتماعي، مقابل برامج أخرى تحدثت عن ماذا يمكن أن تقوم به في حال وصلت إلى السلطة (تحالف المعارضة).
وبالتالي هنا نتحدث عن منافسة بين برنامج واقعي وبرنامج متوقع، وبالتالي المقارنة ما بين هذين البرنامجين هو مقارنة لا تدخل في إطار سياسي منصف؛ فنحن نتحدث عن تجربة سياسية امتدت لعشرين عام تمكن حسب العدالة والتنمية ليس فقط من إدارة الدولة وإنما حتى الاستحواذ على الدولة وبالتالي هو سخر الموارد في إطار دعم مشروعه السياسي، فلا يمكن بطريقة أو بأخرى أن نقارنه مع البرامج الانتخابية التي يمكن أن تقدمها الأحزاب المنضوية ضمن تحالف المعارضة لأنها بالتأكيد لم تمارس السلطة.
• طموح العدالة والتنمية في تجاوز عقبة العتبة: التحدي الحقيقي الذي يحدث كل يوم أمام حزب العدالة والتنمية، و هو أهم من الفوز بالانتخابات، تجاوز عتبة 360 مقعد من أصل 600؛ فنجاح حزب العدالة والتنمية بمعزل عن تحالفه الجمهور بتجاوز هذه العتبة سيجعل من وضعه السياسي في مأمن بغض النظر عما ستفرزه الانتخابات لأنه سيسحب أهم ورقتين من تحالف المعارضة وهي ورقة تعديل الدستور وكذلك ورقة العودة إلى النظام البرلماني؛ لأن تعديل الدستور يحتاج من تحالف المعارضة تجاوز عتبة 370 مقعدًا وكذلك لتغيير النظام والتحول من النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني هو بحاجة إلى 400 مقعد. وبالتالي تحقيق العدالة والتنمية لهذه العتبة سيجعل من تحالف المعارضة مشلولًا داخل البرلمان وحتى في حال إذا ما فاز بمنصب الرئاسة، وبالتالي هذا أيضًا هو سيناريو يعول عليه الرئيس اردوغان.
• نتائج الانتخابات في ملعب مزاجية الناخب التركي: هنالك ثلاث مزاجيات تحكم الناخب التركي؛ الأولى، طامحة للتغيير وهي مزاجية متوائمة بطريقة أو بأخرى مع تحالف المعارضة.
الثانية، مزاجية تقدم الاستقرار السياسي على أي عملية تغيير على اعتبار أن التعثر الاقتصادي الذي تمر به تركيا هو ليس بسبب فشل سياسات حزب العدالة والتنمية، على اعتبار أن حزب العدالة والتنمية قدم نموذجًا اقتصاديًّا واضحًا على الأقل في مرحلة ما بعد عام 2002 حتى الانقلاب عام 2016، وبالتالي هم يدركون تمامًا أن التعثر الاقتصادي هو مرده انعكاس الأزمات الخارجية التي وجدت تركيا نفسها بطريقة او بأخرى تنعكس على الداخل التركي. والثالث، هو الجمهور الشبابي، هناك نحو 5 - 6 ملايين شاب/ة قد يلعبوا دورًا كبيرًا في حسم السباق الانتخابي البرلماني أو حتى الرئاسي لأحد التحالفين، إلى جانب أنه ما يزال حتى هذه اللحظة يقع في المنطقة الرمادية أي بمعنى هو لم يحسم خياراته، فهو مشتت بعدة صور ما بين صورة حزب العدالة والتنمية وكذلك صورة حزب الشعب الجمهوري وكذلك حتى الأحزاب أو التحالفات الأخرى التي هي خارج تحالف الجمهور أو تحالف المعارضة.
• صعوبة الاستشراف في انتخابات حساباتها معقدة: استشراف المشهد على المستوى البرلماني قد يكون أسهل من المستوى الرئاسي، فتحالف المعارضة قد ينجح بطريقة أو بأخرى بانتزاع الأغلبية من حزب العدالة والتنمية لكن هذه الأغلبية لن تتجاوز الثلثين ولا تصل لنسبة 60%.
على المستوى الرئاسي، قد تكون الأمور ذاهبة بنسبة كبيرة إلى جولة إعادة لحسم هوية الرئيس القادم.
تنبغي الإشارة هنا، إلى ان كل مرشح يراهن على نقاط ضعف المرشح الآخر، فالرئيس أردوغان يراهن عن أن فشل احمد داوود اوغلو ممثلًا بحزب المستقبل وكذلك علي بابا جان ممثلًا بحزب الديمقراطية والتقدم في انتزاع ما يمكن تسميته جزء من جمهور حزب العدالة والتنمية، وبالتالي الأمر قد يدفع الكثيرين من جمهور هذين الحزبين إلى إعادة المراهنة على الرئيس أردوغان في حال إذا ما ذهبت الأمور باتجاه جولة الإعادة. وكذلك حزب الشعب الجمهوري يراهن على أن مسألة دخول التحالف الحاكم على مستوى أحزاب مستقلة وليس كما دخلت المعارضة ضمن إطار واحد في هذه الانتخابات، من الممكن أن يدفع الكثيرين إلى أن يذهبوا باتجاه إعطاء أصواتهم لتحالف المعارضة على حساب الرئيس أردوغان وكذلك تحالف الجمهور. وبالتالي نتحدث عن مشهد ضبابي، مع ضرورة التأكيد على أن هناك ما يقارب 53 مقعدًا هي حصة حزب الشعوب الديمقراطي وكذلك أحزاب يسارية أخرى، وبالتالي قد يلعبان دورًا كبيرًا جدًّا في ترجيح كفة أي من التحالفين الذي من الممكن أن يحظى بالأغلبية داخل البرلمان أو في حسم هوية أي من المرشحين للرئاسة.
• مستقبل العدالة والتنمية من الداخل: في العودة إلى مرحلة ما قبل بدء العملية الانتخابية على المستوى القريب نجد أن حزب العدالة والتنمية استطاع بطريقة أو بأخرى الحفاظ على مركزيته من ضمن المعادلة السياسية التركية وأيضًا الحفاظ على وحدته العضوية كحزب، ووجود شخصية مثل أردوغان رسخت مركزيتها داخل الحزب ولعبت دورًا كبير في الحفاظ على استمرارية الحزب على الأقل حتى في الوقت الحاضر، وبالتالي نجح اردوغان أيضًا بعدم وجود شخصيات تعمل على خلق حالة من الاستقطاب داخل حزب العدالة والتنمية مما ساهم في لعب دور كبير للمحافظة على الحزب كوحدة عضوية على الأقل في مرحلة ما بعد الانتخابات. لكن في مرحلة ما بعد الانتخابات إذا ما جاءت النتائج بطريقة مفاجئة أو أنها لا تأتي وفق السياقات التي طرحها اردوغان وحزب العدالة والتنمية، فقد نشهد إعادة انتاج سيناريو ما بعد الانقلاب الفاشل في عام 2016 عندما ذهب العديد من قيادة حزب العدالة والتنمية إلى الخروج من مظلة الحزب سواء على مستوى الرئيس السابق عبدالله غول أو على مستوى أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء السابق أو حتى على مستوى وزير الاقتصاد السابق علي بابا جان.
لكن في المقابل، هناك مخرج طارئ يعتمده الرئيس أردوغان اليوم عبر خلق قيادات بديلة وبالتالي نحن نتحدث عن نعمان كورتولموش وهو نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ووزير الداخلية سليمان صويلو، اللذان لعبا دورًا كبيرًا في ملئ الفراغ الذي اختلقته بعض القيادات الأخرى التي خرجت خارج إطار حزب العدالة والتنمية، هذا على المستوى العام. لكن على المستوى الخاص، مركزية أردوغان ستلعب دورًا كبير جدًّا في الحفاظ على وجود هذا الحزب ضمن الحياة السياسيّة على الأقل خلال السنوات القادمة، حتى يتم تهيئة قيادات بديلة من الممكن أن تستمر بهذا الحزب لأن حزب العدالة والتنمية أصبح جزءًا أصيلًا من الحياة السياسية الحزبية التركية.
- علي باكير:
"السياسة الخارجية للمعارضة هي سياسة في حدها الأدنى، ليس هناك تصور واضح لهذه السياسة؛ وذلك لأن الخطوط العريضة للمعارضة معروفة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى لأن المعارضة غير متفقة على تفاصيل السياسة الخارجية..".
• انتخابات في محيط إقليمي – دولي صاخب يضع تركيا على مفترق طرق: المتغيرات الإقليمية والدولية سابقًا لم تكن موجودة بالحدة الموجودة عليه اليوم، وهذه الانتخابات هي ليست ذات طابع محلي فقط، بل هناك لاعبين غير مباشرين وغير محايدين، كما نجد في المواقف السياسية الرسمية والإعلام الغربيين الذين وقفوا إلى جانب طرف وتبنوا أجندته على حساب آخر. أيضًا على المستوى الإقليمي كان هناك بعض المواقف من بعض الجمهوريات التركية مثل أذربيجان وأيضًا جمهورية ألبانيا والتي هي أيضًا عبر وسائل الإعلام وبعض السياسيين عبروا عن موقف موالي لطرف على حساب طرف آخر. وبالتالي التنافس الذي يجري حاليًّا، الذي يرتقي إلى مستوى صراع، يضع تركيا على مفترق طرق بين اتجاهيين متناقضين تمامًا؛ اتجاه يسعى إلى أن يعيد -كما يقول- تركيا إلى العالم المتحضر والعالم الغربي، واتجاه آخر يسعى إلى استكمال ما كان قد بدأه خلال العشرين سنة الماضية والدفع قدمًا في تركيا بالاتجاه الذي سلكته.
• السياسة الخارجية لتحالف الجمهور ... التوجه نحو استكمال المسار: تنقلت مستويات السياسة الخارجية في عهد حزب العدالة والتنمية من مرحلة تصفير النزاعات إلى مرحلة أخرى وهي سياسة الدفاع المتقدم نحو المزيد من السياسة الخارجية المستقلة التي تعطي الأولوية لمصالح وحسابات الجانب التركي بالمقارنة مع حسابات ومصالح التحالفات التي ينضوي الجانب التركي تحتها مثل حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات الأمريكية. وبالتالي، فإن الخط الذي يسلكه العدالة والتنمية والتحالف الذي يمثله على مستوى السياسة الخارجية معروف وهو استكمال لما قد حصل سابقًا: سياسة خارجية أكثر استقلالية، مصلحة تركيا أولًا، التحول من القوى الناعمة إلى الصلبة إذا ما اقتضى الأمر ذلك.
لكن اليوم هناك حالة من تخفيض النزاع في المنطقة ككل وهناك عملية مصالحات في المنطقة ليست فقط من جانب تركيا باتجاه دول أخرى، وإنما الدول الأخرى بين بعضها البعض وتركيا جزء منها.
في المحصلة فوز حزب العدالة والتنمية يعني استكمال المسار الجاري على مستوى خفض التصعيد وتعزيز العلاقة مع دول الخليج والسعي إلى علاقة أكثر متانة مع مصر والعراق وربما البحث عن حل سياسي في سوريا. مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا المسار مرتبط بعمليات إقليمية أولًا ودولية ثانيًا. خاصة وأن نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2024 ستؤثر على هذا المسار ومن الممكن أن تدفع الجانب التركي إلى تغيير سياسته باتجاه سياسة أكثر حزمًا على المستوى الخارجي.
• السياسة الخارجية لتحالف الأمة ... الاتجاه غربًا: استنادًا إلى المانفستو الذي تتبناه المعارضة، يمكن القول إنها لم تعطِ أهمية كبيرة للسياسة الخارجية. ولربما التقليل من وزن السياسة الخارجية في أجندة المعارضة مرده إلى أن توجهها واضح، من خلال تصريحات بعض رموزها ولا سيما كمال كليجدار أوغلو مؤخرًا، وهو نقل تركيا من وضعها الحالي إلى الوضع المنتمي تمامًا للمعسكر الغربي والانصهار في رغبات تحالف الناتو، وهذا قد يؤدي إلى تراجع العلاقة مع روسيا، والتخلي عن سياسة خارجية متوازنة.
كما تسعى المعارضة إلى توطيد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وقد كنت قد تعهدت لجماهيرها بمنح المواطن التركي فرصة الذهاب لأوروبا بدون تأشيرة. ومؤخرًا سُرب نقاش للمعارضة حول إمكانية أن تنسحب تركيا من قبرص الشمالية في مقابل الحصول على مكاسب لها علاقة في رفع الفيزا عن المواطنين الأتراك وهذا يعني تراجع عن موقف تركيا التاريخي بما يتعلق في المسألة القبرصية.
على مستوى العلاقة مع روسيا، كليجدار أوغلو كان قد صرّح باتخاذ موقف متشددة تجاه روسيا، لكن على أرض الواقع هذا الأمر غير ممكن؛ لأن تركيا تعتمد بشكل كبير من ناحية تجارية على روسيا، وروسيا أيضًا لديها حسابات مع تركيا لا يمكن أن تتجاوزها على المستوى المنظور وإن كانت تركيا جزءًا من حلف الشمال الأطلسي. لكن ربما ستسعى المعارضة إلى حل إشكالية نظام الدفاع الصاروخي الروسي S - 400، إما عبر إعادة تصديره إلى دولة أخرى أو تفكيكه، وأيضًا قد يجري النقاش على عودة تركيا إلى برنامج F-35 المقاتلة المشتركة التي تُعتبر تركيا جزءًا من تصنيعها سابقًا، قبل أن تقوم الولايات المتحدة بإقصائها من البرنامج.
• المعارضة ... النفور من المحيط العربي: فيما يتعلق في المحيط العربي هناك حالة من النفور في تصور المعارضة الكلي وهناك تقليل لأهمية وضع الشرق الأوسط بالنسبة لتركيا ومحاولة لعزل تركيا عن محيطها الإقليمي بما يتعلق في الشرق الأوسط وضمها وفق رؤية المعارضة إلى المحيط الجغرافي الأوروبي، وبالتالي عودة التركيز إلى أوروبا وليس إلى الشرق الأوسط والتقليل من الخسائر.
في المسألة السورية، كان هناك تصريحات واضحة على ضرورة عودة اللاجئين وفتح مصالحة مع نظام الأسد دون حتى أن يتم طرح شروط مقابل تطبيع العلاقات. فيما يتعلق في العلاقة مع مصر قد تتجه نحو التحسن، لكن تبقى مسألة ثانوية في ظل تركيز أولوياتها المتعلقة بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. كما أن السياسات الرئيسية الخارجية والداخلية ستكون للأحزاب المؤثرة في المعارضة مثل حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد -في حال حافظ على تماسكه- وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وهذا لا يعطي مساحة لبابا جان وداوود اوغلو لفرض توجهاتهما على الأغلبية.
واعتمادًا على التصريحات التي قالها نافذون في المعارضة ومسؤولين سيتم سحب تركيا من المسارح الجغرافية والجيوسياسية المتواجدة فيها كما في ليبيا أو في سوريا وربما الصومال إذا ما وصل تحالف الأمة إلى الحكم.
محصلة القول، سيكون هنالك انسحاب من تلك المناطق، ما دامت المعارضة تناقش الانسحاب من شمال قبرص وهو موقف مناقض تاريخيًّا للتوجهات التركية. لكن السؤال المطروح هو عندما تأتي المعارضة للسلطة ستصطدم بواقع آخر إما أن تضطر أن تكيف سياساتها عليه أو أن تفشل بما قالته سابقًا قبل السلطة. لذلك تبقى الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.
• الهدف الرئيسي بإطاحة بأردوغان، يترك الباب مفتوحًا أمام جميع الاحتمالات: إن الاتفاق الأساسي و الرئيسي للمعارضة الآن هو الإطاحة بأردوغان، وما دون ذلك هو أمر مفتوح لكل الاحتمالات وهذا يحمل معه مخاطر أيضًا في حال وصول المعارضة للسلطة؛ لأن سقوط أردوغان وفق هذا السيناريو يعني أن تبدأ المشكلات الداخلية بين أطراف المعارضة على المحاصصة وعلى الأولويات و على السياسات، وملامح هذا السيناريو مطروحة، فقبل قرابة أسبوع مرشح المعارضة الرئيسي كليجدار أوغلو قام بتزكية علي بابا جان مرشحًا لوزارة الاقتصاد في حال الفوز، بينما ميرال أكشنار، زعيمة حزب الجيد، ثاني أقوى شخصية في المعارضة قامت بتزكية مرشح آخر في نفس اليوم لوزارة الاقتصاد علنًا امام الجميع، وبالتالي هناك تناقضات قد تنعكس حتمًا على أجندة المعارضة على السلطة.
• انضمام الشعوب الديمقراطي للمعارضة.. بين السلب والإيجاب: الطاولة السداسية هي عمليًّا أصبحت طاولة سباعية، بعد إعلان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المتهم بالتعاطف مع حزب العمال الكردستاني التحول من الدعم غير العلني إلى المساندة العلنية لتحالف الأمة، لكن لهذا الإعلان إيجابيات وسلبيات؛ الإيجابيات، أنه يحاول توجيه الكتلة الكردية الموالية لهذا الحزب باتجاه التصويت لصالح كمال كليجدار اوغلو وهذه الكتلة كتلة كبيرة وعادة ما تصوت ككتلة تصويتية ثابتة أي لا تصوت منفردة وقوتها تأتي من تصويتها بشكل جماعي لمرشح واحد وهي تشكل تقريبًا 8% من مجموع الناخبين وهذه نسبة عالية جدًّا. والتحول إلى العلن هدفه حشد هذه الكتلة الثابتة 8% لصالح المعارضة. لكن السلبية التي تنجم عن هذا التحول للعلنية أن هناك جزءًا من تحالف المعارضة هو قومي الاتجاه ويميني، والاتجاه القومي واليميني معارض تمامًا ليس فقط للاتجاه اليساري الذي يمثله حزب الشعوب الديمقراطية وإنما أيضًا لتعاطف هذا الحزب مع حزب العمال الكردستاني، وبالتالي هذا قد يؤدي لانسحاب كبير وانخفاض لدعم مرشحين في حزب الجيد -على سبيل المثال- الذي هو جزء من تحالف المعارضة وبالتالي من المتوقع أن يكون التصويت لهذا الحزب ضعيفًا إلى حد ما، لسبب انضمام حزب الشعوب الديمقراطية علنًا إلى هذا التحالف. هذا التحول العلني أيضًا قد يؤدي إلى حشد المترددين في الطبقة الوسطى أو القوميين الذين كانوا سيصوتون للمعارضة للتحول للتصويت لصالح أردوغان على اعتبار أنهم لن يصوتوا بتاتًا لصالح حزب يُتهم بتعاطفه مع حزب العمال الكردستاني.
• اليد العليا لمن سيفوز بالرئاسة: لأن النظام رئاسي، فالصلاحيات واسعة للرئيس وبالتالي الجهة التي ستفوز بالرئاسة سيكون لديها اليد العليا في السلطة التنفيذية وهذا يعني إمكانية تجاوز البرلمان في الكثير من الأحيان. الأمر الآخر، لربما أن البرلمان أقل قيمة، لكن نتائج البرلمان قد تصدر قبل النتائج الرئاسية وبالتالي إذا كان هناك جولة في إعادة الانتخابات الرئاسية، فمن سيحقق التقدم في انتخابات البرلمان هو من سيعطي زخم لمرشحه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
• مستقبل العلاقات التركية – الخليجية: فيما يتعلق بالموقف السعودي من تركيا، فبالرغم من المصالحة والتطبيع (البارد)، فالجانب السعودي يفضل هزيمة أردوغان في الانتخابات القادمة. فيما يتعلق بالاستثمارات التي جاءت إماراتية أو سعودية، فهذه الاستثمارات لم تأتِ لأن اردوغان موجود وإنما اتت لأن هناك أيضًا نتائج تجارية ومالية، فالاستثمار في تركيا في هذا الوضع مربح للغاية لمن يمتلك رأس مال من الخارج، وبالتالي هناك بُعد استثماري واعتقد أن الاستثمارات ستستمر إذا ما بقي أردوغان أو أنها ستزيد إذا ما جاءت المعارضة.
بما يتعلق بقطر، وهذا أمر سابق على الانتخابات، كان هنالك حملة معادية وسلبية ضد العلاقة التركية - القطرية من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية. وهنالك انتقادات كثيرة روجتها المعارضة إلى أن قطر تقوم بشراء المؤسسات الرئيسية وأنها لاعب مؤثر في السياسات التركية بسبب الدعم المالي، وأن تركيا دفعت ثمن هذا التحالف سلبًا، وبالتالي قد نرى مراجعة لهذه العلاقات فيما لو فازت المعارضة.
• كابوس المحاصصة قد يلاحق المعارضة في حالة الفوز: لربما ستبدأ المشكلات في حال فوز المعارضة بين أطرافها؛ فمبدأ المحاصصة مبدأ متخلف للغاية ويتم تطبيقه في المجتمعات والدول الأكثر تخلفًا وتم تجربته في الدول مثل العراق ولبنان واليمن وهذه كلها دولة مصنفة كفاشلة. وبالتالي مبدأ المحاصصة سيؤدي إلى تآكل الدولة وكل طرف سوف يعمل على تأسيس دولته الخاصة سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا. وسيترتب على ذلك الكثير من المشكلات في ظل الخلاف على الأولويات.
• مستقبل العلاقة مع سوريا في حال فوز أردوغان: بالرغم من أن خطوة العرب الأخيرة في تطبيع العلاقة مع نظام الاسد ستضع تركيا في زاوية معقدة، لكن الهدف التركي من (التواصل) مع النظام و(ليس التطبيع)، قبل أن يقوم العرب في التطبيع مع نظام الأسد، كانت محاولة محاصرة روسيا والاثبات لها أن نظام الأسد لا يريد أن يبدي أي إصلاح أو تغيير سياسي وبالتالي يجب على تركيا أن تنفذ عملية عسكرية لأن دمشق لا تستجيب. لكن بعد الانتخابات قد تتغير بعض الأمور، لأن التطبيع العربي سيضع تركيا في مأزق بالتالي الأتراك لن يكونوا ملكيين أكثر من الملك نفسه، خاصةً وأن عقدًا ماض من السياسة تجاه سوريا أدت إلى نتائج سلبية على الداخل التركي السياسي والاقتصادي والاجتماعي وأيضًا وضع حزب العدالة والتنمية بموقف حرج بحيث استُخدمت ورقة اللاجئين كورقة ضغط من قبل المعارضة وبشكل عنصري وحصدت أصواتًا لقاء ذلك، والكثير من الناخبين اليوم يتجهون إلى المعارضة بسبب ورقة اللاجئين.
- بدر الماضي:
"أردوغان، في حال فوزه، سيستمر في سياسة واضحة وندية مع الغرب والاتحاد الأوروبي لكنه أيضًا سيحاول بكل ما أُوتي من قوة أن يعيد إنتاج علاقته مع العالم العربي رغم استمرار حالة الشك. والولايات المتحدة لن تجد لنفسها بُدًّا إلا التعامل مع أردوغان ومع الحكومة التركية إذا ما استمر حزب العدالة والتنمية في الحكم".
• الانسحاب من المنطقة، مفتاح للصراع الداخلي ورؤية تحقق أمنيات غربية: عند الحديث عن الانسحاب من الشرق الأوسط أو الانسحاب من بعض الملفات في آسيا الوسطى أو غيرها ينبغي طرح تساؤل ما إن كان ذلك سيرضي باقي أطراف المعارضة وخاصة بابا جان وداوود اوغلو! وهذه قضية مهمة جدًّا قد تكون أحد مفاتيح الصراع القادم بين من سيفوز إذا ما فاز كليجدار أوغلو كرئيس للجمهورية وبين أقطاب المعارضة.
الانسحاب التركي إذا ما فازت المعارضة وتحولت هذه الرؤية إلى واقع، فهذا يعبر بشكل واضح عن أمنيات العالم الغربي سواء عندما نتكلم عن الولايات المتحدة الامريكية أو أوروبا؛ فتركيا الضعيفة والتي لا يوجد لها نشاط في السياسة الخارجية قد يكون ذلك من صالح العالم الغربي ومصالحه الاستراتيجية خاصة الولايات المتحدة، وفي البعد الجغرافي أيضًا لأن أوروبا على حدود تركيا. لكن بالتأكيد فإن لهذا الانسحاب سيكون له تكلفته وسيشكل عبئًا لربما داخليًّا على المعارضة نفسها.
• انتخابات تركيا عربيًّا.. انقسام الشارع والنظام الرسمي: هناك انقسام بين الشارع العربي والنظام الرسمي العربي؛ فالأخير يرغب بفوز المعارضة وخروج أردوغان لأسباب تتعلق بما بعد عام 2011؛ الربيع العربي جعل من تركيا لاعب فاعل وأساسي في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي وهذا انعكس سلبيًّا على علاقة تركيا مع العديد من الدول العربية مثل مصر، وحتى يومنا هذا لم يتم توضيح كافة المشكلات العالقة بين مصر كدولة كبرى في العالم العربي وبين تركيا. ولكن في المقابل، تركيا استطاعت أن تعيد إنتاج نفسها في علاقاتها سواء مع دولة مثل الامارات العربية المتحدة او المملكة العربية السعودية.
في المقابل، نجد بشكل عام أن هناك أغلبية في العالم العربي على المستوى الشعبي والاجتماعي تريد أن ترى رجب طيب أردوغان مرة أخرى، ليس فقط لأنها ترى في أردوغان قد نهض سياسيًّا في تركيا ولكن معظم الشباب العربي يرى في تركيا نموذجًا تنمويًّا لربما يمكن أن يُعمم في المنطقة العربية، وأن هذا النموذج إلى حد كبير جدًّا يتعامل بندية مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الامريكية. وهذا يجعل كثيرًا من الأنظمة العربية أو النظام العربي الرسمي يتردد في التعامل مع الحكومة التركية إذا ما فاز اردوغان. وبالتالي النظام الرسمي العربي لا يقل اهتمامًا بفوز المعارضة من الاهتمام الأوروبي والأمريكي لأن تركيا شكلت عامل ضغط كبير جدًّا على سياسات المنطقة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي وآسيا الوسطى وغيرها.
• اللاجئون في برنامج المعارضة الانتخابي: تعهدت المعارضة بأنها ستقوم بطرد اللاجئين، وكمال كليجدار أوغلو قال: "أمهلوني سنتين وسأقوم بإعادة اللاجئين إلى بلادهم". وهنا ستكون مشكلة أخرى للمعارضة وهي تعتبر معضلة أخلاقية قد تعاني منها إذا ما فازت، وهذه المعضلة هي مع الاتحاد الاوروبي ومع دول العالم الغربي إذا ما حدث دفع بعودة اللاجئين السوريين إلى سوريا.
• تركيا وإسرائيل: تعد تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل عام 1948؛ لذلك من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه مع المعارضة. وإن كان أردوغان قد قام باستدارة كبيرة جدًّا في الفترة الأخيرة على علاقته مع إسرائيل لأنه لا يريد أن يبقى وحده في منطقة الشرق الاوسط بعيدًا عن هذه العلاقة وحاول أن يعيد تطبيع علاقة تركيا مع إسرائيل لكن في المقابل يقع التطبيع ضمن حدود، وليس بالقدر الذي يمكن للمعارضة وكليجدار اوغلو الذي لربما في حالة الفوز ستعيش العلاقة بأريحية وتنسيق بمستوى عالٍ جدًّا وستعاد قضية التمرينات العسكرية التي كانت دائمًا إحدى أهم القضايا للأحزاب العلمانية الحاكمة في تركيا مع إسرائيل. وسترتاح إلى حد كبير جدًّا اسرائيل من المعارضة التركية لها في المحافل الدولية. والقضية الأخرى لربما ستكون إسرائيل مرتاحة أكثر إذا ما فازت المعارضة لأن اردوغان وحزب العدالة والتنمية عملا إلى حد كبير، في السابق والآن بشكل أقل، على شيطنة الاحتلال الاسرائيلي وهذه قضية مهمة في محاولة خلق جيل ثقافي يتمتع بثقافة مختلفة بنظره إلى إسرائيل.
• تركيا ومستقبل الإسلام السياسي في المنطقة: تبنت تركيا الإسلام السياسي بعد الربيع العربي، وتركيا كانت الملجأ الوحيد والحضن الدافئ لمن يؤمن بالإسلام السياسي عندما خرجوا من مصر أو الدول الأخرى. لكن في السنوات الأخيرة مع براغماتية أردوغان ابتعدت تركيا عن توفير أي مظلة فيها حماية للإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ولربما أن قوى الإسلام السياسي شعرت بذلك بشكل ملحوظ والبعض تفهم ذلك في سياق المصالح الاستراتيجية التركية التي تعمل على توفير نوع من تبادل الاستقرار مع بعض الدول العربية في منطقة الشرق الاوسط لأن تركيا إذا ما بقيت توفر هذه المظلة فسوف يجعلها دائمًا تحت ضغط كبير جدًّا من بعض الدول المفتاحية في منطقة الشرق الاوسط مثل المملكة العربية السعودية أو مصر. لذلك، لربما أن الاسلام السياسي يعي تمامًا أن الدور التركي الداعم للإسلام السياسي تراجع كثيرًا في السنوات الاخيرة ولن يتم إعادة إنتاج هذا الدور مرة اخرى لأن مصلحة تركيا لا تتطلب دعم الاسلام السياسي أكثر من دعم اردوغان أو حزب العدالة والتنمية في السنوات السابقة.
• الأردن سيتكيف مع نتيجة الانتخابات أيًّا كانت: لا يوجد للأردن عداء واضح لتركيا أو حزب العدالة والتنمية أو لأردوغان شخصيًّا، هنالك الكثير من الملفات يتم تجاوزها. حتى في الربيع العربي، كان هناك عتب أردني على التدخلات التركية في بعض الملفات التي كان يمكن أن تؤثر حتى على الاردن داخليًّا، لكن العلاقة الشخصية بين الملك عبدالله الثاني وبين الرئيس أردوغان وزيارة وزير الخارجية الأردني لتركيا أكثر من مرة وأيضًا نظيره التركي استطاعت أن تقوم بتهدئة المخاوف. لم يكن هناك شيء موجود على الارض لكي نتحدث عن خلاف سياسي واضح بين الطرفين فلذلك إذا ما فاز اردوغان سوف تستمر هذه العلاقة بالتطور بين الأردن وتركيا، وإن فازت المعارضة فالأردن لن يجد مشكلة كبيرة في إعادة انتاج هذه العلاقة حتى وإن كانت وجهة المعارضة إذا ما فازت ليست وجهة شرقية ولن تكون وجهة عربية وإنما فقط ستكون علاقات خاصة والأردن قادر على انتاج علاقة خاصة سواء مع المعارضة أو إذا ما استمر حزب العدالة والتنمية في المستقبل في حكم تركيا.