في فلسطين ما يستحق الحياة
نيفين عبد الهادي
14-05-2023 12:42 AM
عن فلسطين، أم غزة، أم القدس، أم المقدسات، عن ماذا نكتب، ونحن العاجزون إلاّ عن متابعة شاشات هواتفنا وتلفزيوناتنا، عن ماذا نكتب ونحن نرى في كل لحظة من يكتب تاريخا، ويطرّز مجدا، من أطفال وشيوخ ونساء ورجال، ونحن نرى من لا يعرفون دربا للحياة سوى أجسادهم وأرواحهم، ربما يمكننا أن نلخص كل شيء بأن فلسطين محتلة وهي آخر بلاد العالم التي ما تزال تقبع تحت وطأة الاحتلال في زمن تتغنى به دول العالم بالحريات وحقوق الإنسان، لكنها فلسطين التي ما تزال محتلة .
أيام مضت ربما في احتسابها ظلم لكل أبناء غزة، ولكل فلسطيني، ذلك أن هذه الأيام تختلف في احتسابها عن التقويم الذي اختارته البشرية لاحتساب عمرها وزمنها، أيام وقف الفلسطينيون بها مواجهين أقوى الأسلحة وأكثرها عنفا، مدافعين عن وطنهم وكرامتهم، لا يحملون في قلوبهم وعقولهم سوى حلم الشهادة الذي لا يزول ولا يكفون عن طلبه لآخر أيام حياتهم، متشبثين بمبادئهم بأنهم الطوق الحامي لفلسطين وغزة والأقصى، حتى يضيق الوقت أمام احتساب أيام وزمن شعب بمقدار أمّة.
نتابع صورا ومقاطع فيديو لأطفال وشيوخ ونساء، يهربون من الخوف نحو الشجاعة والقوة ، يسعون لطلب الشهادة، يرون منازلهم تتساوى بالأرض، ولا يبحثون بين أنقاضها سوى عن حُلم قديم أو تعب سنين، غير آبهين بأي شيء فكل بيت يهدم يُفتح لهم آلاف البيوت في غزة وفلسطين ليكون لهم بيتا وأمانا، فالحزن على حُلم وتاريخ وليس على بيت أو لعبة أو أثاث، فهي فلسطين المختلفة، بكل ما تعنيه الكلمة من معان، وهم الفلسطينيون المختلفون بحرفيّة الحياة والسلوك ونهج الحياة، مواجهين مناضلين مدافعين يرتفع عدد شهدائهم، وكلما ارتفع هذا العدد كلما زاد انتصارهم على عدو محتل.
هذه الأيام قاسية علينا توجع قلوبنا، وتُدمع أعيننا، لكن في فلسطين شأن آخر، وفي غزة حياة أخرى، ففي تلك الأرض ما يستحق الحياة، وفي معنى الحياة تفاصيل كثيرة مختلفة أيضا عن تلك التي نعرفها، فكثير من الفلسطينيين والغزيّين يرون الباب الأوسع للحياة هو الشهادة، فهو الاختلاف، بالكثير من ما اعتادت عليه البشرية حتى في اختيار الحياة وطبيعتها، فهي فلسطين المختلفة، وهي الأرض التي تطلب أهلها في كل لحظة وأهلها يسرعون لها في كل جزء من اللحظة.
أصوات الصواريخ ورؤية نيرانها تجعل من واقع الحال مخيفا، لكن أطفال غزة تخرج تلك الفتاة إلى «الدكانة» كما قالت لتشتري الشوكولاتة، وتؤكد أنها لا تخاف كما باقي أطفال غزة، بل ستواجه وتصمد وتناضل مع باقي أبناء جيلها ممن يسعون للعيش بكل ما أوتوا من صمود ونضال، هي الطفلة التي تابعنا الفيديو الذي انتشر انتشارا واسعا، وقد أصرت على فتح ما اشترته وبدأت بأكله أمام الكاميرا، معتبرة ما يحدث جزءا من حياتها وهي غير مكترثة بما يحدث، تعيش حياتها بين طفولة منقوصة، إن لم تكن منتزعة ومنتهية الصلاحية، وبين واقع مليء بأحداث مضطربة سعيا لحياة لما استطاعت اليه سبيلا .
في تعابير هذه الطفلة، وفي قصص أطفال غزة، وفي صمود أهل فلسطين، نحتاج الكثير حتى نحكي عن واقع لا تعبير عنه سوى أن فلسطين مختلفة، وما يحدث على أرضها اليوم ويوم غد وحتى ما حدث يوم أمس، هو مجد من نوع لم تعرفه البشرية، وكما كتبت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية يوم أمس في افتتاحيتها «الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم»، أكبر صحيفة إسرائيلية تكتب في افتتاحيتها هذه العبارات، مما يؤكد أن الانتصار الفلسطيني والهزيمة الإسرائيلية واقع لا جدال فيه.
الدستور