من كان يظن أو حتى يخطر على باله ان تشكل غزة المنكوبة بكل شيء والمحاصرة حتى الاختناق تتحول الى قنبلة موقوتة بوجه المحتل ورأس حربة بمواجهة مشروعه.. غزة الصغيرة بمقدراتها الكبيرة برجالها وصمودها وأهلها شكلت قاعدة صلبة للأمل في التحرير، وان طالت السنون.
تواجه اليوم مرة أخرى غزة المشروع الصهيوني الذي يخطط لابتلاع المنطقة بكاملها، مسلميها ومسيحيها، والمعركة الأخيرة أكدت من جديد كم هو هذا العالم منافق متحيز، يقف مع الجلاد ضد الضحية، ولكن الغزيون منذ زمن ليس بالقصير لم يعودوا يعولون على أحد في معركتهم، غير ربهم ثم اقتناعهم أنهم يخوضون معركة مفتوحة دفاعا عن حقهم في الحياة، من كان يظن ايضا أن المدينة المنهكة بكل شيء وهي أكبر التجمعات السكنية اكتظاظا في العالم ذات المساحة الصغيرة، هي التي تقف اليوم وحدها أمام الغول الصهيوني ومن خلفه عالم بأكمله يعصب عينيه عما يجري، ليس في غزة فقط، بل في كل فلسطين، تقف وتتحدى وتنتصر وكلما شنت إسرائيل عليها حربا خرجت أقوى وأكثر صمودا، بعد كل عقود الهزيمة للعرب أمام إسرائيل يأتي أبناء غزة الذين حولوا الخردة إلى صواريخ تدك الحصون الإسرائيلية التي يسمونها مستوطنات، بل وتدك قلب تل أبيب والقدس وحيفا، وتلقي الرعب في قلوب المحتلين هناك، ورغم مدة الحصار وقسوته، تفاجئهم غزة كل مرة بأن لديها الكثير الذي سيصدهم ويشعر قادة الكيان الإسرائيلي أنهم يتورطون في كل مرة بالاعتداء على غزة.
الغزيون الآن ليسوا بحاجة إلى دموع وندب، هم بحاجة إلى دعم فعلي على الأرض بالمال والعتاد، حتى يستطيعوا أن يستمروا في معركتهم في الدفاع عن أنفسهم وعن أمتهم.
إسرائيل لا يفاجئ أحد اليوم لأنها تكرر نفس السيناريو في القتل والتدمير، هذه بضاعتها منذ مائة عام وهذا سلاحها القادم اليها من العالم الحر الذي يدعي الحفاظ على حقوق الانسان وتقديس حياته ودمه.
غزة لديها الكثير من الجديد الذي يؤهلها للصمود والثبات منذ اندلاع الصراع بين العرب وإسرائيل، لم تلجأ الأخيرة ولو لمرة واحدة لطلب الوساطة بينها وبين الطرف الآخر، لأن يدها كانت هي العليا، وكانت تفرض شروطها في كل جولة.
اليوم، تهرع إسرائيل من أول يوم للمواجهة لطرق أبواب الوسطاء لأنها تعلم تماما أن جند غزة لا يتراجعون ولا ينهزمون ولا يغرنهم حتى القتل والتدمير والاغتيالات للقيادات العسكرية هناك، والذي يراهن على أن حركات المقاومة في غزة لن يكون لها حاضنة شعبية لأن هذه الحاضنة ملت وتعبت من المواجهات، مخطئ في ظنه، لأنه في كل مرة تحدث مواجهة تتضح الصورة أكثر كيف يزداد تمسك الغزيون في مقاومتهم، ويقدمون الولد والمال لهذه المقاومة، وإلا ما معنى أن يقوم الأبوان بدفن ابنهما وهم يكبرون ويتمنون لو أن لهم غيره حتى يقدموه على طريق التحرير، فأي عقيدة وعزيمة ملأت قلوب هؤلاء، واي قوة وضعها الله عز وجل في نفوسهم، إنهم لا يخافون ولا يرتعبون من الطائرات التي تحمل لهم الموت والدمار، ويستقبلونها بصدورهم العارية وظهورهم المكشوفة لا يملكون إلا الإيمان بنصر الله وثبات جندهم في ظل انكفاء عربي إسلامي عالمي كامل عن قضيتهم بل والكثير من العالم يقف إلى جانب عدوهم ويدعمه.
ألا يفهم العرب أن غزة تدافع عنهم كما تدافع عن نفسها؟ ألا يفهم هؤلاء أن السياسة وألاعيبها وكذب الصهاينة وخداعهم تحترق كل مرة في سماء غزة تحت وطأة قنابل إسرائيل وقذائفها؟
لقد استطاعت المقاومة في غزة منذ سنوات طويلة أن تورط إسرائيل في عملية استنزاف طويلة، سواء على الصعيد المادي من حيث الأسلحة بمليارات الدولات والخسارة الاقتصادية المتكررة والضخمة بمئات المليارات، وعلى الجانب المعنوي، يعيش سكان إسرائيل وجيشهم وقياداتهم رعبا اسمه غزة، واستطاعت غزة استراتيجيا أيضا أن تبقي الساحات الفلسطينية مشتعلة في وجه المحتل ونجحت في إشعال الضفة الغربية من جديد، التي عمل الكثيرون على إخماد نارها بأي ثمن، ولكن استطاعت غزة أن تبطل هذا المشروع وتثبت للعالم أن الشعب الفلسطيني واحد في الضفة وغزة..
هذه غزة، الشعلة المضيئة في هذا الزمن الرديء والمظلم.