من معارك محدودة الى حرب مفتوحة
د. حازم قشوع
12-05-2023 03:04 PM
تشير معظم الاستنتاجات من القراءات و التحليلات السياسية والامنية، ان العالم قد دخل فعلا بطور الغرفة المعتمة، وهي الغرفة التي تمثل انسداد الافق السياسي بين نهج الولايات المتحدة الأمريكية الذى يقوم على مركزية بيت القرار الاممي بمعنى الأحادية القطبية والمعسكر المناوئ الذى ينادى بالتعددية القطبية الذى تتزعمه روسيا الاتحادية والصين الشعبية .
ولعل دخول الجميع بالغرفة المعتمة جاء بعدما ابتعدت مصالح الاطراف من امكانية التوافق من ارضيه معادلة ( رابح - رابح) التي كان يمكنها ان ترضى الجميع وتجعلهم يقتسمون مناطق النفوذ من دون الدخول فى شبح الغرفة المعتمة حيث كان يمكن للاطراف المتشابكة والمتداخلة التفاهم على عناوين المفاصل الرئيسية والاتفاق على مساحات النفوذ في الجغرافيا الاستراتيجية التي تسمح بتقسيم اماكن الثروات الطبيعية والتشارك بمصادر العلوم المعرفية الخاصة وايجاد ارضية عمل للتعاون البناء بمجال تطبيقات الذكاء الاصناعي وكذلك تحديد فضاءات الامن السيبراني والتفاهم على المسارات المدارية للصواريخ الاوربيتية وهى شبكات التعاطي التلقائي التى تدور حول الكرة الارضية.
وكما يندرج الامر كذلك على مسائل اخرى تطال عالم النانو تكنلوجي وميزان الكيموترل ومقاييس التغير البيولوجي هذا اضافة للاقرار بالنقطة المركزية الخاصة التي تحمل سمة المرجعية السيادة على العملة النقدية / الافتراضية وهو الموضوع الذى باتت انعكاساته تشكل ازمة حقيقية بداخل الولايات المتحدة وكذلك جوانب اخرى متممة تطال تامين المسارات البحرية للتجارة الدولية التي تريدها الولايات المتحدة قطبية بينما يريدها التيار الاخر تحمل صبغة التشاركية التعددية .
وهى النقاط التي مازال يصعب التوافق عليها من قبل الاطراف المتشابكة لاسباب موضوعية تشكلها قواعد الاشتباك المستخدمة واخرى ذاتية تتمركز حول القوة الاستراتيجية التي تشكل عنصر حماية مركزي لدول المتشابكة واخرى مركزية لها علاقه بميزان التقدم بالمسارات العلمية بكل مسارات العمل للصناعة المعرفية والذكاء الاصطناعي التي اصبحت بتطور مستمر بكل لحظه في ظل سرعة التطور العلمي الذى تشهده مسارات العلوم البحثية بكل المجالات وهى المسالة التي تشكل العصب الحامل للحرب الدائرة التي اخذت عنوان الصناعة المعرفية .
فالبحث العلمي الذى كان يستدعى انجازه سنوات عديدة اصبحت تظهر نتائجه فى ايام قليلة والمعادلة التى كان يستغرق حللها اجراء الكثير من التجارب من واقع الدخول بعمق الاستنتاج وجوانب المحيطة اصبحت تحل بلحظات .....وهو ما ادى لاشتعال حرب العلوم المعرفية بين المراكز الرئيسية لهذه الدول ضمن ارضية تنافسية تقوم على الصناعات الخفيفة المعقدة فائقة السرعة وهو ما جعلها تبتعد عن الصناعات الثقيلة التي كان يقف عليها الحال فى الحرب العالمية الكبرى التى بدأت بالاولى وظهرت نتائجها بالثانية وانتهت باشتعال الحرب الباردة .
وما بين إئتلاف مركزية بيت القرار وتحالف التعددية القطبية بدات حمى التجاذبات الامنية والعسكرية بالتوسع واخذت الاشتباكات الاستخبارية بالتمدد الأفقي عن طريق وجود تشكيلات مواجهة القيادة المركزية الامريكية في اوروبا وافريقيا والشرق الاوسط والشرق الاقصى واسيا الوسطى وامريكا اللاتينية لتكون في مواجهة تنظيمات عسكرية اخرى بزعامة فاغنر الروسية التي اخذت بالتوسع والانتشار العسكري الامريكي على امتداد نقاط التماس الاستراتيجية في افريقيا واوروبا .
وهو ما ادى الى تشكيل مجسات عسكرية باطوار استخبارية تنذر بانتقال حالة المشهد من (معارك محدودة الى حرب مفتوحة ) وهذا ما يمكن مشاهدته من سرعة انتقال نقاط التماس من اوروبا حيث أوكرانيا الى القرن الافريقي حيث السودان واثيوبيا ومصر مع دخول افروكوم الامريكية وفاغنر الروسية في نقطة اشتباك في مجس عسكري حول ذهب دارفور السوداني .
وهو ذات الحال الذى ينطبق على منطقة الشرق الاوسط حيث خطوط التماس "الاردنية السورية" والتي يتوقع ان تشكل مسرحا للعمليات في حال اندلاع حرب عالمية رابعة وكذلك الخاصرة اليمنية السعودية التي يرشح ان تكون عنوان للحدث القادم من اجل السيطرة على بوابة البحر الاحمر الاستراتيجية من مضيق باب المندب وهى جمل معرضه للانهيار في اي لحظه وقد تدخل المنطقة دون انذار بحاله (حرب) لان القرار ليس بالقرار الذاتي لدولها بقدر ما ياتي من المحتوى الموضوعي .
و على الرغم من الجمل الاستدراكية التي تقودها السعودية لاحتواء الحالة اليمنية والتي وصلت لحد بناء علاقات طبيعية مع الجمهورية الإيرانية الا ان هذه الجمل التي جاءت اسناد صيني لم تقم على اساسات صلبة بقدر ما جاءت امنية من اجل ابعاد المنطقة البترولية عن شبح الدخول بالحرب العالمية الرابعة وهو ذات القياس الذى يسقط بظلاله على دول المشرق العربي حيث تعمل الاردن بمشاركة مصر لعودة النظام السوري للحاضنة العربية للحيولة دون انتقال الازمة للمشرق العربي كما تعمل الاردن بذات السياق بمحاولاته عدم اسقاط ظلال هذه الحرب على المشهد الفلسطيني الإسرائيلي.
الا ان هذه المحاولات تبقى محدودة التأثير وهى معرضة للانهيار في اي لحظه في حال اصبحت درجة الاصطفاف حادة وليست منفرجه كما هي عليه الان ، وامتدت درجة الاشتعال على امتداد نقاط التماس الامنية والعسكرية وهو ما يمكن مشاهدة عن قرب بالواقع الاسرائيلي الفلسطيني الذى تمزقت ديموغرافية السياسية واصبحت منقسمة بين اتجاهين احداهما يقوده (سموتريتش وبن غفير مع التيار التوراتي والحرديم وهو التيار الاقرب لروسيا ) والاخر يقوده الجيش الاسرائيلي بعلمانية الذى اخذ يشكل عنوان للمعارضة الإسرائيلية وهو الاقرب لامريكا...
والحال ذاته ينطبق على الواقع الفلسطيني الذى اخذت عناوين السلطة فيه تتجه تجاه الولايات المتحدة بينما تقوم حركة الجهاد الاسلامي وما التف حولها من احزاب فلسطينية بالتوقيع على اتفاقيات للدفاع المشترك مع ايران وحزب الله والنظام السوري وهو تطور جعل من غزه تتعرض للقصف بهدف اغتيال بعض القيادات الامنية الفلسطينية وعودة الاحتلال اليها الامر الذى جعلها مرشحة لاشعال المنطقة في حال اتخذ قرار باجتياح غزة مع حصول نتنياهو على اذن الدخول اليها في حال لم تقم حماس بالسيطرة الامنية على حاله المشهد بغزة وهي ما يجعل غزة ميدان للتفاوض بين جهاز الامن الاسرائيلي الشاباك وحماس واما في حال عدم الوصول لاستخلاص وقرر نتنياهو الهروب من ازمته الداخلية باجتياح غزة ويدخل باشتباك مع ايران من الخاصرة الغزية فان ذلك سبكون تبعات عميقة ..
وذلك لما تشكله غزة من اهمية عن مصر كما عند تركيا وايران وهو ما ينذر من توسيع مساحات الحرب الرابعة عبر غزة لاسباب لها علاقه بالعلاقات التركية مع حماس والعلاقات الايرانية مع الجهاد الاسلامي ولما تشكله غزة من عمق استراتيجي لمصر بعد ان فقدت عمقها في حوض النيل الامر الذى يجعل من غزة نقطة تماس حقيقية للحرب العالمية الرابعة ..