كان الأسبوع الماضي أسبوعا حافلا باستحضار كافة القضايا الوطنية الهامة التي وردت في خطاب العرش كبرنامج للعمل الحكومي في السنوات القادمة؛ وطرحها للمداولة؛ وكلمات النواب الصريحة حولها؛ واهتمام المواطنين بما قيل فيها، داخل القبة، وخارجها في الندوات التي عقدت لهذه الغاية في أكثر من مكان. وهو استحضار سيمكّن الناس، أو قادة الفكر بينهم، من مراقبة كلا السلطتين التنفيذية والتشريعية في تعاملهما مع هذه القضايا.
وعلى الرغم من أن المتحدثين، داخل القبة بخاصة، لم ينسوا شيئا لم يضعوه على الطاولة، مما ظنوا أنه يجب أن يقال، إلا أنهم، كما يبدو الآن، قد نسوا جميعا وظيفة الدولة الاجتماعية فيما يشبه التسليم بفرضية حرية السوق وقدرته الذاتية على التكفل بنفسه، مفترضين أن ما يقال عن قدرة العرض والطلب على كبح جماح المستغلين كان صحيحا.
نفترض، بدواعي حسن النية، أنهم لم يكتشفوا الحقيقة في أن مسألة العرض والطلب في أغلب دول العالم الثالث أكذوبة كبرى يستخدمها الاحتكاريون ليمتصوا دماء الفقراء؛ فإن شعروا أنهم يخسرون بواقع الفقر وعدم القدرة على بيع سلعتهم محليا، لجأوا للتصدير أو إخفاء السلعة مرة واحدة والانتظار حتى يصرخ الآخرون أولا، ويأتون إليهم مكرهين لشراء حاجتهم بالسعر الذي يفرضونه. ما زال شعبنا غير منظم ولا يدري كيف يدافع عن نفسه، وليست له القدرة على ذلك.
هل سيعي نوابنا هذه الحقيقة فينبروا للدفاع عن الناس، وحدهم، إن قدروا، وبالتعاون، طوال الوقت، مع مؤسسات المجتمع المدني والإعلام، لوضع الأمور في نصابها؟ ربما يفيدهم العلم بأن بعض مؤسسات المجتمع المدني قد حاولت ذلك بقليل من النجاح، فيما مضى، بسبب افتقارها للعتلات اللازمة لزحزحة صاحب القرار عن موقفه باتجاه العمل الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض.
سأضرب مثلا. لقد تقدمت الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة بدراسة علمية لموضوع ارتفاع الأسعار غير المبرر. ثم وضعت للسيطرة على هذا الخلل برنامجا علميا متكاملا استقصائيا قابلا للتنفيذ الفوري، البرنامج لم يرَ النور، على الرغم من متابعة الموضوع مع صاحب القرار مرة وأخرى.
ذلك البرنامج كان سيحل المشكلة، وأن يكون مؤشرا للطريقة في معالجة كثير من القضايا ذات العلاقة مثل البطالة وجيوب الفقر وتنظيم الناس في مواقعهم وضرب المثل لهم في ذلك لو صح العزم.
الظروف التي حاول البرنامج تعديلها لصالح المواطنين ما زالت وفي الشهر الأخير من سنة 2010 تلح علينا وكأنها تبدأ اليوم.
ما جرى الأسبوع الفائت كان مناسبة لمجتمعنا المدني ليتحرك لمشاركة الحكومة قراراتها وليدفع البرلمانيين الجدد لدور فاعل أكبر.. كما أنه مناسبة للحكومة للاقتراب من المجتمع المدني وحشده في ساحتها، فهو قادر على أن يكون رديفا لها فائق القدرة يخفف عنها كثيرا من الأحمال التي تثقل كاهلها.
(الرأي)