بعد خمسة أيام طويلة من خطابات النواب حصلت الحكومة على ثقة استثنائية مقدارها 111 نائبا من أصل 119 في الجلسة ، وهذا ما يعني أن عدد النواب الذين حجبوا الثقة كانوا 8 نواب ومنهم 4 سيدات في مفارقة مثيرة للاهتمام. هنالك عدة تبعات لهذا الاستحقاق الدستوري المهم الذي شهدناه في الأيام الماضية وأرجو ألا يكون أحدها إعادة النظر بتحديد 12 مقعدا للكوتا النسائية في قانون الانتخاب الجديد،،
المهم بعد منح الثقة هو بناؤها واستدامتها ، فالحكومة ومجلس النواب هما شريكان في تحديد مسيرة الدولة الأردنية في السنوات الأربع المقبلة والتي سوف تشهد الكثير من التحولات الاقتصادية وربما الاجتماعية وكذلك ضمن محيط من التحديات السياسية المؤثرة والسريعة والتي لا تتيح مجالا لالتقاط الأنفاس. يحتاج الأردن إلى أفكار ذكية وخارجة عن نطاق المألوف من أجل تجاوز التحديات القادمة ويحتاج إلى احترام التوازن في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وأن يتم تغليب المصلحة العامة على الخاصة ، مع التأكيد على الالتزام بقيم الدولة الأردنية التاريخية وأهمها البعد القومي للدولة والمساواة الدستورية.
لقد ارتقت خطابات النواب في جلسة الثقة إلى مستويات أعلى بكثير من الدورة السابقة ، وهذا ينطبق ايضا على النواب الذين استمروا في مواقعهم منذ العام 2007 ، ويبدو أن الجو العام الذي ساد الأردن بعد حل مجلس النواب السابق والتأكيد على أهمية تطوير أداء المجلس والابتعاد عن التشهير والتوتير ساهم في جعل الخطابات أفضل من حيث التوازن والمضمون. والواقع أن الكثير من الكلمات الفردية وتلك التي تمثل الكتل تجاوزت تشخيص المشاكل إلى محاولة البحث عن حلول وخيارات بديلة. قد تكون بعض هذه الخيارات صعبة التحقيق في ظل قصور الموازنة العامة ولكن على الأقل تم التطرق إلى البدائل وليس فقط التشخيص الناقد المجرد من الحلول وهذه قد تكون البداية لتطوير تفكير مشترك في خيارات وبدائل ذات موازنات محددة وأهداف واضحة يمكن الحديث عنها بالتفصيل في جلسات مناقشة الموازنة العامة.
لا يحتاج الأردنيون إلى ترفيه في مجلس النواب من خلال خطابات نارية ومناوشات بل يحتاجون إلى عمل دؤوب واحترام للوقت والالتزام بحضور الجلسات ومناقشة القوانين المؤقتة التي تتعلق بحياة نسبة كبيرة من المواطنين وكذلك مشاريع القوانين الجديدة وحماية حقوق المواطنين فيها وتنبيه الحكومة إلى مكامن الخلل وتصويب الأوضاع غير السوية وسيكون هذا المجلس في مواجهة هذا التحدي لأن عيون الرأي العام مفتوحة والتحديات الحالية والمقبلة جسيمة ، ولهذا فإن منح الثقة ليس إلا الخطوة الأولى في عمل المجلس والذي سيكون أكثر صعوبة منذ اليوم.
batirw@yahoo.com
(الدستور)