منذ البدء وهذه الأرض ، كانت صغيرة جداً ، وضيقة جداً ، وليست على مقاس ساكنيها ، فالإنسان قد تكون قدماه منغرستين في تراب هذا الكوكب الأزرق الصغير ، القابع في طرف قصي من مجرة درب التبانة ، متوسطة الحجم ، عبر كون لا متناه ، لكن رأسه ظل يهيم بالخيالات والأحلام والأمنيات ، مما جعل لحضارة بني البشر كل هذا العلو والتقدم.
الإنسان فكر بالطيران مبكراً ، فخياله كان يواكب الطيور ، وهي تمخر عباب الفضاء بسلاسة وانسياب ، فكانت المحاولات المتتالية ، والتي دفع ثمن بعضها عباس بن فرناس ، الذي ريَّش نفسه ، ونسي أن يتخذ ذيلاً: فسقط على أم رأسه ، لكن خيال البشر الجامح الرامح ، ظل يداعب حلم الطيران ، حتى صار الجو درباً معبدة وسهلة،.
وكان هناك أكسير الحياة ، الذي شيّب رؤوس العلماء ، هذا الإكسير الذي يمنح شباباً دائما وحياة أبدية ، وكان هناك طاقية الإخفاء ، التي حلم بها وتاق إليها الفكر البشري ، كي يتحايل على قوانين الطبيعة الصعبة ، فيأتي متخفياً وملتبساً ، وكان أيضاً بساط الريح ، الذي يلغي المسافات ويطويها ، كما نطوي صفحات كتاب ، وكانت أيضا أحلام السفر والنزول على القمر المنير ، صديق الإنسان منذ القدم ، حتى أنه عبده ذات جهالة،.
وأحلام البشر دوما تسبق وتقود العلم ، الذي هو ترجمة لهذه المراودات الحلمية ، فلو الأحلام لما كان هذا التقدم الهائل بثورة الاتصالات المشهودة ، حتى بات يسمع الواحد منا عن مخترعات عجيبة ، تفوق هذا الخيال وتنوف عنه وتبهره ولا تخطر على باله،.
إحدى تقليعات العلم وشطحاته الحديث والإسهاب في إمكانية السفر عبر الزمان ، فكما يمكن للإنسان أن يتجه في المكان شرقاً وغرباً ، أو أن يعود جنوباً أو شمالاً ، فبالإمكان أيضاً أن يتنقل الواحد منا عبر أقسام الزمن الثلاثة: الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، أي أن العلم الفيزيائي الحديث ، المبني على النظرية النسبية لأينشتاين ، لا يستبعد أبداً قدرة الإنسان على الذهاب إلى الماضي ، أو الإبحار من الحاضر إلى المستقبل،،.
وكما تحايل الإنسان على تضاريس الأرض الصعبة ، فبنى الجسور المعلقة والطويلة ، للمرور من فوق الأودية السحيقة ، ونقب الأنفاق العميقة ليتلافى متاعب الالتفاف حول جبل عال ، فكذلك فكر في إمكانية العودة إلى الوراء ، في البعد الزمني ، عبر ما بات متعارفاً علية باصطلاح (الثقب الدودي) ، وهو أنبوب في الزمان والمكان ، فنحن بحاجة إلى عشرات الآلاف من السنين لنصل إلى أطراف مجرة درب التبانة لو سرنا بسرعة الضوء ، لكننا وباستخدام الثقب الدودي يمكننا السفر والعودة قبل حلول وقت الغداء،،.
إي ، هل يمكننا حقاً أن نسافر في الماضي ونعود إليه ، وماذا لو أن أحد التعساء ، عاد إلى الماضي ، عبر ثقب دودي وأطلق النار على جده في ليلة عرسه؟، ، ماذا كان سيكون في الحاضر ، هل سيولد هذا التعيس ، أم أنه سيتلاشى ولن يبزغ على سطح الحاضر؟،.
أسئلة محيرة كثيرة ستصدمنا ، فلو قدر وامتلكنا هذه التكنولوجيا التي هي في الحقيقة تتعارض مع الواقع العلمي الحالي ، لو امتلكنا هذه الميزة ، هل سنبقي ماضينا مظلماً مشوشاً مرشوماً بالأخطاء الفادحة ، أم أننا سنعود إلى كل هفواته وسقطاته ونصلحها ونسويها،. ولهذا سأترك لكم أن تبحروا في خيالاتكم ، فيما لو امتلكتم ثقباً دودياً ، شريطة أن لا يعبث أحدكم بيوم كتب كتابه ، فيعود إليه مثلاً ليهرب من بين يدي العروس والمأذون والمعازيم ، بعد لحظة تفكير،.
ramzi279@hotmail.com
(الدستور)