لا يسع الأردن اليوم التهاون في ملف تهريب المخدرات من الحدود الشمالية، مهما كانت الكلف الأمنية والسياسية التي ستقف أمامه.

في هذه المعركة نحن مع الدولة بكل ما نملكه، فلا خيار آخرا ولا سبيلا للتردد في مواجهة قوى الظلام التي لم يتوقف تهريبها رغم رسائل الود الموجهة للقيادات السياسية المسؤولة عنها، وربما تكون هذه الرسالة قد أخطأت عنوانها خاصة في ظل ضعف سيادة الدولة السورية على حدودها، وضعف خياراتها أمام الميلشيات الإيرانية.

وعلى سيرة إيران، فإن التجارب السابقة تثبت أن هذه الدولة لن تكف عن العبث بأمن المنطقة، بالرغم من التنازلات الواضحة في المساحات التي تتواجد فيها؛ ولكن يؤكد الواقع في كل مرة ضعف الثقة بما يتأتى من هذه الدولة، أما عن لغة الأرقام فهي تدلل على إيرادات ضخمة تتحصلها المليشيات المتحالفة مع إيران من خلال تجارة المخدرات وخاصة مادة "الكبتاجون" (كوكايين الفقراء)، حيث تقدر بمئات الملايين سنوياً.

اليوم لم يعد الوضع مقبولاً بالنسبة إلى الدولة الأردنية؛ لا يمكن أن تستمر حالة التهريب دون ردع واضح لا تخطئه العين، أو حتى أن تكتفي بالمواجهة الداخلية مع المهربين، وأمام الأعداد الكبيرة للمدمنين على المخدرات خصوصاً المواد الرخيصة منها تنتشر سلوكيات غريبة عن مجتمعنا تنذر بكارثة كبيرة إن لم يتم تدارك الأمر وأخذه على محمل الجدية.

السلوكيات الخطيرة تظهر بشكل واضح عندما ندرك حجم الكوارث المتعلقة بالسياق الناظم للعلاقات الاجتماعية، لا سيما مع نتائج الاستطلاع الأخير لمركز دراسات الجامعة الأردنية، الذي يفيد بتآكل رأس المال الاجتماعي، وضعف العلاقات الجمعية نتيجة فقدان ثقة الناس ببعضهم، وهذا الأمر له انعكاسات خطيرة على الحالة السياسية والتنموية في البلد، وبالتالي فإن الإطار الناظم للدولة لا يمكنه القبول بهذه السلوكيات مهما كان الثمن.

وضمن هذا السياق، حاولت الدولة التواصل على مستويات رفيعة في الآونة الأخيرة، وذلك ضمن جهودها لتذليل جهود مكافحة المخدرات، وتعاونت في سبيل ذلك مع شخصيات وهيئات مختلفة، بعضها له اتصال مباشر مع إيران (الراعي الرسمي لعمليات التهريب على الحدود) من أجل الكف عن التلاعب بالأمن الوطني الأردني.

ولكن، ولأن المجال لا يسمح بالأخذ والرد كثيراً، جاءت تصريحات وزير الخارجية الأردني معالي أيمن الصفدي في لقائه مع قناة "سي أن أن" الأمريكية تتويجاً لهذه الجهود عندما هدد بشكل واضح لا لبس قائلاً: "نحن لا نتعامل مع تهديد تهريب المخدرات باستخفاف، إذا لم نشهد إجراءات فعالة للحد من هذا التهديد، فسنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سورية للقضاء على هذا التهديد الخطير للغاية، ليس فقط في الأردن ولكن أيضاً لدول الخليج والعالم".

عملية الأمس التي أسفرت عن مقتل المطلوب رقم واحد للأردن (اسكوبار سوريا) بفعل غارة يعتقد أنها أردنية تمثل رسالة قوية للمليشيات الإرهابية بأنه لا مفر من العدالة الأردنية، ولا سبيل للتراجع عن مواجهة اقتصاد الكبتاحون، وفي المقابل، داخلياً تمارس "هيئة مكافحة المخدرات" دوراً محوريا في القضاء على بؤر تجارة المخدرات وتجفيف منابعها، وذلك ضمن حملات أمنية متواصلة تستهدف قياديي التجارة الداخلية بكل حزم وشفافية، مهما كانت مكانتهم المجتمعية.