تقف مدينة القدس امام يوم صعب، في الثامن عشر من ايار الحالي، أو 28 من الشهر الخامس في التقويم العبري حيث يحشد اليمين الاسرائيلي لاقتحام الأقصى، بمناسبة يوم توحيد القدس، اي احتلال كامل المدينة عام 1967، وبدء وصول الإسرائيليين لحائط البراق.
امس الاثنين وكل يوم تواصل الجماعات الإسرائيلية اقتحام المسجد الأقصى، والاقتحامات التي كانت نادرة اصبحت يومية، والتي كانت مرة واحدة، اصبحت مرتين يوميا، وفي المناسبات الإسرائيلية تشتد الاقتحامات الإسرائيلية، وقد شهدنا ذلك في شهر رمضان مؤخرا الذي تزامن مع ما يسمى عيد الفصح اليهودي، وهذا كله يؤشر على مواجهات مقبلة بشكل اكبر عما قريب.
العالم العربي مشغول بحروبه الصغيرة، في السودان وليبيا وسورية وكل مكان، ولا يجد المسجد الأقصى اي رد فعل، بل ان الغريب ايها السادة ان الشعوب ذاتها، وهي التي تصف نفسها بكونها متدينة في اغلبها، لا تثير اعصابها قضية المسجد الأقصى، برغم ان المسجد هو القبلة الاولى، ومسرى النبي، وهذه من نتائج امرين اولهما اغراق كل هذه الشعوب بقضاياها المحلية ومشاكلها وازماتها، فلا ترفع رأسها ابدا، وثانيها صبغ قضية المسجد الأقصى، باللون الفلسطيني فقط، باعتبار ان هذه قضية فلسطينية، وان الشعب الفلسطيني يتولى المهمة نيابة عن الغائبين، وهو يقدم التضحيات كل يوم، باعتباره موجودا في موقع الحرم القدسي.
التحشيدات الاسرائيلية في الثامن عشر من ايار، اخطر من تحشيدات رمضان، والسبب ان المناسبة ترتبط باحتلال شرق القدس، وضمها الى القدس الغربية، لتصبح القدس الموحدة وفقا للمفهوم الاسرائيلي، وهذا يعني ان الثامن عشر من ايار، مناسبة لتأكيد سيادة الاحتلال على المدينة، وكونها مدينة يهودية، باعتبارها العاصمة، فيما اي مكونات اجتماعية او دينية ثانية، ليست مؤقتة وحسب، بل زائدة على الحاجة، ولا بد من تطهير المدينة منها بكل الوسائل.
منذ الآن، تحشد جماعات إسرائيلية لأمرين، أولهما مسيرات في مدينة القدس، قرب باب العامود ومواقع مختلفة، وثانيهما دخول اعداد كبيرة الى داخل الحرم القدسي، بما يعني ان إسرائيل ستحاول اخلاء المسجد بشكل مبكر، اما من صباح الثامن عشر من أيار، او حتى اغلاقه بوجه المصلين من صلاة فجر الثامن عشر من أيار، وهذا يعني ان الحرم القدسي امام مشهد خطير جدا، قد تمتد آثاره مثل كل مرة، الى كل مكان، من ردود الفعل المتوقعة داخل القدس، او في الضفة الغربية، او غزة، خصوصا، اذا ارتكب الإسرائيليون جرائم دموية في هذا اليوم.
هذه ليست اول مرة تحتفل فيها إسرائيل بذات الطريقة وبذات المناسبة، لكن الفرق يكمن اليوم في ان التيار اليميني يحكم سيطرته على إسرائيل كليا، مع وجود وزراء متطرفين جدا، يهددون أساسا بإسقاط الحكومة الإسرائيلية ما لم تلتزم الحكومة بخط هذا التيار، وهذا يعني ان تحشيدات اليمين سوف تكون مختلفة عن كل السنوات الماضية، بما يؤشر الى مشهد في غاية الحساسية.
منذ عام 1948 والكلام متواصل عن ملف المسجد الأقصى، وعمليات شطب هوية المدينة الاجتماعية والدينية متواصلة، وهي عمليات ستصل الى الرموز، بما فيها المسجد الأقصى، بشكل او آخر، خصوصا، وان التقاسم الزمني بات واقعا برغم انكار البعض، فيما التقاسم المكاني، يبدو واردا اليوم وفي اي توقيت مباغت، يتنزل على رؤوسنا جميعا في هذه المنطقة.
هذه ليست تحذيرات فقط، هذه اكبر من تحذيرات امام الذي يجري كل يوم.
(الغد)