الصندوق الأسود (9) .. لغة التخاطب مع المخاطر
د. كفاية عبدالله
08-05-2023 12:14 PM
تواجه المنظمات بجميع أنواعها وأحجامها عوامل وتأثيرات خارجية أو داخلية تجعل من غير المؤكد ما إذا كانت المنظمة قادرة على تحقيق أهدافها وبرامجها؛ وتتجه الإدارات لاعتبار إدارة المخاطر جزًءا رئيسياً في جميع أنشطتها والتي تتضمن التفاعل مع أصحاب المصلحة واتخاذ الخطوات الاستباقية لمنع أو الحد من تأثير حالة عدم اليقين على أهداف المنظمة واختيار أنسب التدابير والحلول لتصدِ لها.
يمكن القول إن إدارة المخاطر عملية تكرارية (ليست لمرة واحدة فقط) وترشد المنظمات لوضع الإستراتيجيات وتحقيق الأهداف واتخاذ القرارات المستنيرة ، وهي أساسية للتعرف على كيفية إدارة المنظمة على جميع المستويات والمساهمة في تحسين أنظمة الإدارة ، مع التأكيد أن إدارة المخاطر لا تقبل بحلول المياومة أو عشوائية المعالجة أو الوقوف عند المدى القصير لدى تقديم الحلول الإبداعية
إدارة المخاطر هي أحد المكونات الرئيسة لاستراتيجيات المنظمات، من خلال تطوير الإطار العام لدمج وتصميم وتقييم وتحسين إدارة المخاطر في المنظمة، وفق مبادئ (ISO:31000) : التكاملية إذا إن إدارة المخاطر جزء لا يتجزأ من جميع الأنشطة التنظيمية في المنظمات، والالتزام بالجهد المنظم والشامل لإدارة المخاطر في شمولية وتشاركية مع أصحاب المصالح والأخذ بتصورات وآراء أصحاب العلاقة لزيادة الوعي بالمخاطر والتنبؤ بها وفق التغيرات والمستجدات لتحقيق الاستجابة الديناميكية حسب التغيرات في السياق الداخلي أو الخارجي لبيئة المنظمة وتوفير أفضل المعلومات القائمة على الأدلة والحقائق وضمان حداثتها ودقتها والوصول إليها بالوقت المناسب .
والمخاطر تحتاج إلى رعاية خاصة للعبور إلى بر الأمان ، أنها بحاجة إلى لغة منظمة ومُحكمة يجيد الناطقون فيها حسن لفظ الحروف والمخارج لترجمة رسائل حالات عدم اليقين إلى آليات للتعامل معها، تحتاج أولاً تحديد المخاطر وإعداد قائمة شاملة بالأحداث والظروف التي قد تؤثر وتحول دون تحقيق أهداف المنظمة ، مع التأكيد على تحليل المخاطر القائم على فهم طبيعة كل خطر واحتمال ظهوره (بناءً على الأسباب المحتملة والضوابط المتاحة) وعواقبه (التأثير) ، ومن ثم تقييم المخاطر وتحديد التصرف الأنسب للتعامل معها وخيارات العلاج ضمن الأولويات وأخيراً معالجة المخاطر باعتماد التدابير المناسبة والمؤشرات اللازمة لإدارة الخطر وتتبع أدائه.
لن يجيد لغة التعامل من المخاطر إلا من أفلح في تحديد السياق وفهم بيئة الأعمال قبل الشروع في إجراءات تقييم المخاطر، مع ضرورة ضمان الاتصال والتواصل والتشاور مع المعنيين طوال عملية إدارة الخطر، واستمرارية الرصد والمراقبة والمراجعة في حالة يقظة لكل خطر قد يداهم المنظمات والتعلم من تجارب الآخرين والدروس المستفادة بما يسهم في التحسين المستمر في إدارة المخاطر
على مستوى المنظمة يمكن للإدارة أن ترسم خرائط نقاط الضعف (المخاطر التنظيمية) التي قد تلوث عمل المنظمة أو يفسد عليها تحقيق أهدافها ، سواء كانت مخاطر عامة مشتركة لدى جميع الهياكل الإدارية (مثل التوظيف ، والاختيار وإدارة الموارد البشرية ، والمشتريات العامة ، وإدارة الأصول... إلخ)، أما على المستوى القطاعي (المخاطر القطاعية) فهناك بعض المخاطر يتم تقاسمها عبر المنظمات ولا يمكن معالجتها من خلال العمل على المستوى التنظيمي الفردي وحده بل إنها تتطلب أو تستوجب النهج القطاعي، فالمخاطر القطاعية تتطلب الحلول جماعية على مستوى القطاع ، مثل قواعد السلوك القطاعية ، والتشريعات واللوائح الخاصة بقطاع معين ، وإعادة الهيكلة التنظيمية ، وهياكل الأجور القطاعية ، وشروط وأحكام التوظيف في القطاع، ولا سيما مع انتشار خطر "العدوى" بين المنظمات ، فإن الكشف عن خطر أو ممارسات خاطئة في أحد أعضاء الجسد ينذر بانتشاره في بقية الجسد.
يمكن القول إن التحليل القطاعي يهدف لتحديد المخاطر المحتملة التي يمكن أن تقع أو تتكرر عبر العديد من المنظمات، والسعي لوضع إرشادات للمنظمات العرضة للخطر والسعي للوصول إلى الحلول المشتركة ، خاصة إذا علمنا أن فشل الحلول القطاعية يقوض جهود أي منظمة تعمل لمجابهة الخطر بشكل فردي مهما بذلت من جهود واجتهادات شخصية .
وهناك بعض المخاطر لا يمكن فهمها أو معالجتها بالكامل إلا من خلال مشاهدة المشهد من أعلى القمة ، على مستوى الإدارة بأكملها. هذا ما يطلق عليه بالمخاطر الوطنية والذي يمكن معالجته وفق نهج القيم ونهج القواعد: فمن خلال القيم تقوم الحكومة في تحديد الاتجاه والنبرة الشاملة التي ستطبق على الإدارة بأكملها ، مثل مدونة الأخلاقيات، وزيادة الوعي والتدريب وتغيير التصورات والاتجاهات لدى العاملين، وإشراك الجمهور العام ، في حين أن القواعد تضع التشريعات واللوائح والإجراءات اللازمة للتصدي للمخاطر.
وأخيراً: لا نزعم القول إن تطبيق الحرفي لما سبق قد يضمن عدم حدوث الخطر؛ فحالة عدم اليقين لا نملك إزاءها اليقين بما سيحدث بالغيب (والمولى وحده علام الغيوب)، ولكن يمكن القول إن الأخذ بالآليات والمنهجيات العلمية يمكن لها تحد أو تخفف من آثار المخاطر وأقله أن تمتلك الإدارة الفعل الاستباقي للتعامل مع الخطر بدل من مجرد ردود الأفعال العشوائية لدى مفاجأة الحدث.
د. كفاية عبدالله/ اختصاصي التطوير المؤسسي
Kifaya2020@gmail.com)