بحت الأصوات بضرورة محاربة الأسباب التي تهيء لظاهرة العنف في الجامعات ، وارتداداتها على سمعة التعليم في الأردن وعلى البلاد بشكل عام ، مع التأكيد أن هذه الظاهرة من السهل القضاء عليها لو أعدنا تقييم الأسباب التي تكمن وراءها، وإخلاص النية في مجابهتها بعيدا عن التنظير .
أشرت في مقال سابق أن الجامعات في موضوع العنف لا تتحمل مسؤولية هذه الظاهرة القادمة لها من المجتمعات " العنيفة"، التي تسيطر عليها العصبية والجهوية ، فالطالب يدخل إلى الجامعة مشبعا بهذه المفاهيم ، وقد أصبحت جزءا من شخصيته وتركيبته النفسية تتحكم بتفكيره وتصرفاته ، الأمر الذي ينعكس على تعامله مع البيئة الجامعية بكل عناصرها ، وهذا يشير إلى تغلب الهوية الفرعية على الهوية الوطنية .
إذا تفحصنا بجدية أسباب الصدامات المتكررة بين الطلاب في الجامعات فأننا للأسف نجد أن معظم "الهوشات" التي تقع تكون نتيجة خلافات سخيفة وبصراحة مخجلة فيكون الخلاف إما على صداقة زميلة أو طلاب رأى قريبة له تتحدث مع زميل لها أو سوء فهم بسيط وقع بين طالبين من منطقتين مختلفتين فيستدعى هذا أقرباءه من الطلبة وكذلك الآخر ، ويمارسون مفهوم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما بصورة خاطئة وبشعة بعيدة عن الغاية السامية لهذا المنطوق الشريف .
مسؤولية هذا الوقع لا تقع على عاتق الطلاب بمقدار ما تقع على عاتق البيئات القادمون منها ، فالطالب يدخل الجامعة وهو في ذروة سن المراهقة وقد أشبع بمفاهيم اجتماعية مغلوطة ، فيمارس ما شحن به طيلة عمره قبل وصوله إلى الجامعة ، وهنا لابد من التوقف طويلا عند دور المؤسسات الإجتماعية ، البيت والمسجد والحي والعائلة الكبيرة للشاب ، فالبيت يكون نفسه في كثير من الأحيان حاضنة سلبية لشحن الطالب بالعنف وترسيخ مفاهيم العصبية والجهوية في تفكير ابنها ، أما المساجد التي كانت مؤسسات تربوية من طراز رفيع فلم يعد معظم القائمون عليها يقومون بهذا الدور لأسباب كثيرة ومتنوعة ، ناهيك عن المنطقة التي عاش بها الطالب والتي هي أيضا غالبا ما يكون لها دور سلبي في تشويه التفكير عنده ، وقبل ذلك كله المدرسة التي فقدت دورها بالكامل في توجيه وتربية التلميذ وصقل شخصيته من خلال مفاهيم يبنى بها التفكير السليم والنظرة الإيجابية نحو الآخر ، وتهيئة هذا التلميذ للمراحل ما بعد المدرسة ، بعد أن فقدت الكثير من مهمتها في التعليم الصحيح ، وسيطر التلقين البائس عليها ، كل هذه التناقضات وللأسف بعد أن كانت مدارسنا مؤسسات تربوية وتعليمية رائدة ليس فقط بالتعليم بل بمفهوم العمل العام الذي كان يحول المدرسة إلى ورشة عمل تعليمية وتربوية وتدريبية على مدار العام تصقل شخصية الطالب وتهيئه كما أشرت إلى المراحل القادمة ، ولمن لا يعلم أن الأردن كان لديه اتحاد لطلبة المدارس على مستوى المملكة في سبعينيات القرن الماضي ، وهذا يؤكد لنا اليوم كم تراجعنا ، وجلسنا بعد كل هذا الزمن نبحث وننظر على بعضنا لاستعادة جزء يسير مما كنا عليه قبل خمسين عاما وأكثر ، وهذا يقودنا للحديث عن الخطا الاكبر عندما تم العمل على أفراغ الجامعات من العمل بكل مجالاته وعلى راسها السياسي واستبدلنا اتحادات الطلبة بتجمعات جهوية وعشائرية ومناطقية الأمر الذي اوصلنا إلى ما نحن علي الآن ، فهل يعجب أصحاب هذه النظرية أن يروا كل يوم مدرعات الأمن والدرك تحيط ببوابات الجامعات ، خوفا من اندلاع مشاجرات وصدامات داخل أسوارها ، أم بعجبهم أن يتحول رؤساء الجامعات وكأنهم عرفاء صفوف مهمتهم فقط فك النزاعات والاشتباكات بين الطلبة .
المسؤولية الوطنية تلزم الجميع الآن بإعادة التفكير بسلاسل شخصية الطالب من سنين عمره الأولى حتى يتخرج من الجامعة ، وإعادة الإعتبار لتلك المفاهيم التي أنتجت شخصيات وقيادات بنت دولة وأقامت لنا مؤسسات فخرنا بها .
هذا على المدى المتوسط والبعيد، اما الحل اليوم في مواجهة هذه الظاهرة يجب الضرب بيد من حديد على رأس كل طالب بتسبب باثارة عنف في جامعته وفصله فصلا كاملا وتحويله للقضاء وتجاهل أي واساطات أو جاهات لعبت دورا كبير في استشراء هذه الظاهرة المقيتة..