كيف ساهمت السياسات الاقتصادية في الأردن بتشويه الإستهلاك والإنتاج وتوزيع الدخول؟
د. أيمن العدينات
07-05-2023 01:07 PM
عندما ضرب الكساد العظيم الاقتصاد الامريكي عام 1929 محدثا شللا عظيم في اوصاله فتسلل الى العالم اجمع ، هنالك ادرك الجميع ان المدرسة الكلاسيكية السائدة والتي لطالما ركزت على الانتاج (العرض) مستبعدة تأثير الدولة في الاقتصاد قد اخطأت في ذلك فهبت المدرسة الكنزية بقيادة جون ماينرد كينز و بطروحات مغايرة لتثبت ان المشكلة كانت مشكلة استهلاك ( طلب) وان للحكومات دورا فاعلا في الاقتصاد .
من هنا نبدأ ونقول ان المدارس الفكرية في الاقتصاد وان تجادلت حول الانتاج والاستهلاك (العرض والطلب) لكنها حافظت في طروحاتها على سلامة الانتاج والاستهلاك .
في الاردن ساهمت السياسات الاقتصادية المتعاقبة في تشويه الاستهلاك والانتاج والذي بدوره انعكس على سوء توزيع الدخول في الاقتصاد .
ولأستعراض أثر هذه السياسات على الطلب (الاستهلاك ) والانتاج وتوزيع الدخول نجد ما يلي :
فبالنسبة للاستهلاك والذي يمثل الطلب في الاقتصاد فقد ساهمت السياسات الحكومية الاقتصادية المتعاقبة تحت وطأة عجز الموازنة المرتفع والمديونية العالية في تقليص الطلب الحكومي والطلب الخاص في الاقتصاد .
حيث سعت الحكومات المتعاقبة الى انتهاج سياسات جباية واضحة غير مدروسة مترجمة بالضرائب المباشرة وغير المباشرة لتقليص عجز الموازنة وتخفيض المديونية والتي انعكست على تقليص الطلب الحكومي مما أثر سلبا على كفاءة ونوعية الخدمات الحكومية ومدى قدرتها على خلق مناخ اقتصادي وبيئة اعمال جاذبة مما انعكس سلبا على تراجع الاستثمار في الاردن .
وقد ساهمت هذه السياسات ايضا في تراجع الطلب الخاص على السلع نتيجة نقص السيولة في ايدي المواطنين وارتفاع تكاليف السلع والخدمات وضعف الرواتب والأجور مما انعكس سلبا تراجع الطلب على السلع والخدمات فتراجع انتاج المصانع وتراجع اداء قطاع الخدمات فتراجع التوظيف في الاقتصاد وزادت معدلات الفقر والبطالة.
أما بالنسبة لتأثير القرارات الحكومية على الانتاج فقد ساهمت القرارات الحكومية المتعاقبة برفع تكاليف الانتاج فرفعت الحكومات المتعاقبة اسعار الطاقة وكلفة استيراد المواد الخام بالاضافة للضرائب المباشرة غير المدروسة على القطاعات وعدم توفير الدعم والتمويل والبيروقراطية في التعامل وتعدد المرجعيات وتداخلها في التأثير سلبا على الانتاج وتراجعه، مما افقد هذه القطاعات الميزة التنافسية وبالتالي ديمومتها واستدامتها .
أما من حيث توزيع الدخول فيشير "مؤشر جيني" لتوزيع الدخول الى أن الاردن من الدول التي تعاني من فجوة كبيرة وضعف العدالة في توزيع الدخول حيث بلغ المؤشر (0.51) في عام 2019، ولا شك الآن وبعد كورونا بأن الوضع قد ازداد سوءا عما كان .
مما سبق يتضح بأن السياسات الاقتصادية المتتالية في الاردن لم تفلح في زيادة الانتاج بالحد الذي يمكن الاقتصاد بالنمو بشكل يساهم في تحسين معيشة المواطنين ورفع مؤشرات التنمية الاقتصادية وبالتالي زيادة الرفاه وتخفيض الفقر والبطالة في الاردن، ولم تفلح في توزيع مكتسبات الاقتصاد والتنمية بشكل عادل بين المواطنين، مما انعكس سلبا على ذوبان الطبقة الوسطى في الاقتصاد وبالتالي ترسيخ حالة الجمود التي يعاني منها .
ومن هنا نجد أن اليوم لدى الحكومة الفرصة الكبيرة لإعادة ترتيب الاقتصاد ومراجعة السياسات والقرارات وبمشاركه فاعلة مع القطاع الخاص وبثورة بيضاء على البيروقراطية لإنعاش الاقتصاد .