التعليم وحاضنات الابتكار لصناعة المستقبل
د. أميرة يوسف ظاهر
07-05-2023 12:39 PM
إن التوقعات العالمية المتعلقة بالازدهار وتحقيق أهداف التنمية المستدامة أصبحت ترتبط ارتباطا وثيقا بالتعليم الذي يعتمد على استثمار الدور الحيوي للتكنولوجيا الجديدة؛ التي هي ليست بالضرورة إيجابية أو سلبية أو حتى محايدة بشكل مطلق وإنما هي وفق ما يتم تفعيلها، وقد أصبحت التكنولوجيا الجديدة ممثلة بالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات والتقنيات الجديدة وغيرها؛ أدوات للابتكار والاهتمام بالاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة، كما أصبح الابتكار هو ما يُحْدث مستجدات تكنولوجية أو يعيد توظيف تكنولوجيا جديدة أحدثت مؤخرا أو أخرى موجودة بالفعل، أو يقدم معرفة جديدة للتصدي للعديد من التحديات التي تواجه المجتمع اليوم.
وقد أضحت المسافات تقطع إلى المستقبل بتقنيات التعليم الذكي التي توظفها الممارسات الابتكارية الهادفة إلى هندرة الحياة، وإعادة بناء مجالاتها، وتحسين خِدْماتها بما يحقق الرفاه، ويعزز التنمية المستدامة، عن طريق الاستثمار في الثروة البشرية من المتفوقين عقليّا؛ بتوفير أدوات، وبرمجيات وتقنيات، ومناهج وبرامج تعليمية تقوم على إجراء التجارب، واختبار الأفكار، وبناء الحداثة وتحقيق الإنجاز الخلاق.
وذلك كله يتحقق ضمن بيئة حاضنة للابتكار تسمى (حواضن الابتكار)، وهي بدورها تمكن وتقود إلى توليد الأفكار الذكية مهما كانت بسيطة، وبلورتها اعتمادا على الاقتصاد الفكري والمعرفي بالخروج عن نمطية التفكير، وتعزيز ثقافة الابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي؛ لتكون مجدية ومفيدة نوعا ما، إذا تم تحويلها إلى سلعة، وبيعها في الأسواق، وذلك بأيدي قادة المستقبل القادرين على ابتكار قطاعات جديدة، تأخذ حيزا وحضورا على مساحات التكنولوجيات والتقنيات العالمية، وتطور شركات ريادة الأعمال، والشركات الناشئة والمبادرات التطوعية الخادمة، والإنجازات العلمية الناهضة بالمجتمع، والطاقات المحركة لعجلة التنمية المستدامة المواكبة للمستجدات المتسارعة في عالمنا الذي أضحى التغير المبتكر سمته البارزة.
ويحتذى في ذلك باليابان بعد الحرب العالمية الثانية، إذ استطاعت أن تحول كل خسائرها إلى أرباح عن طريق الأفكار البسيطة، والأبحاث المتواضعة، التي طورتها الحاضنات الابتكارية، وارتقت باقتصاد اليابان ودفعت به إلى المقدمة في عالم التصنيع، سواء في صناعة السيارات، أم الحواسب الإلكترونية - وما زالت تلك الحاضنات - حتى اللحظة تقدم إلى الأسواق العالمية نتاج تبنّيها واستثماراتها للأفكار البسيطة، ولكل جديد في التكنولوجيا تحديدا. وفي الصناعات الأخرى، التي اشتهرت بها اليابان أيضا. والمثير حقا أن الحاضنات الابتكارية وفرت لليابان القدرة على الاستثمار، في أكثر ما يفتقر إليه «المعادن»، ولكنها جعلته في المقدمة العالمية في شأن تصنيعها.
وتمثل هذه الحاضنات فضاءات آمنة تفسح المجال، وتفتح الآفاق الخلاقة للعقل الإنساني، وتُؤَنْسِن التقنيات والتكنولوجيا الخادمة لتحقيق حياة فضلى، باحتضانها الابتكار الخلاق الذي يبني الإنسان العصري، فالابتكار عالم متجدد، ومفتاح المستقبل والتنمية؛ بعيدا عن القوالب الجاهزة التي تؤطر الإنسان والحياة، وتنأى به عن المرونة والتجديد والتغيير، وذلك بتوفير فضاءات ابتكارية آمنة للتجريب والتفكير والاختبار، والتحليل والبناء، والتطوير والريادة، والمشاريع النوعية وابتكار الأنظمة الداعمة، وبناء الفكر الإيجابي المنتج الذي يحدو الحياة الكريمة.
وتحتضن هذه الحاضنات العقول ذات القدرات العقلية التي تجعل من أصحابها متفوقين، فتحفز مواهبهم وإبداعاتهم؛ لأجل بناء قيادات مبتكرة، وخلاقة تتميز بأنها نوعية في إنجازاتها، وقياداتها لمجالات الحياة المختلفة، وتحافظ على مكتسبات الإنسان المتفوق صاحب الإبداع الذي يتبنى الابتكار كونه ثقافة حيوية، تقوم على أساس التعلم الذاتي، وامتلاك التقنية والتكنولوجيا القادرة على تحقيق التقدم والرقي، والمنافسة على المستويات العالمية بوصفها قوى بشرية مستدامة.
وتكون هذه الحاضنات منصّات ذكية تشجع الابتكار بالتعلم والبحث، والدراسات والتطوير النوعي، وتحتضن الأفكار الناشئة على شكل مختبرات تكنولوجية، تصنع الأفكار، وتدعم تطورها وتحولها إلى منتجات وتكنولوجيات نافعة ومدرّة للإنتاج والدخل.