ما ان تنتهي جلسات الثقة اليوم ليبدأ مجلس النواب ماراثونا جديدا في الخطابات خاصا بالموازنة, والاختلاف هذه المرة في الحالتين سيكون بالمطالبات الخدمية والمناطقية علنا والابتعاد شيئا فشيئا عن القضايا العامة والسياسات المختلفة.
مشروع قانون الموازنة لسنة 2011 لدى السادة النواب, ومجلس النواب هو صاحب الولاية في مناقشة الخطة المالية للدولة واقرارها, وهنا ستبدأ اولى معارك السادة النواب مع الحكومة على توزيع المخصصات المالية بين المحافظات التي يمثلونها, وتتسارع خطى المساومات حول معظم القضايا الخدمية المناطقية, ولا عجب في ذلك, فلا مؤشرات تلوح بالافق من ان المجلس سيكون على غير المجلس المنحل, وفي اعتقادي انه سيكون اكثر مناكفة للسلطة التنفيذية, وموازنة الدولة مجال "خصب" للنقاش والمناكفة والمساومة معا.
تستطيع الحكومة ان تحول النقاش مع اعضاء السلطة التشريعية الى الوجهة التي تريدها, فان ارادت اضعاف المناقشات وتحويلها الى مساومات فهي قادرة على ذلك, من خلال الدخول في تحالفات سياسية ضيقة الافق تحت القبة لاقرار الموازنة التي ستكون بمثابة ثقة للحكومة التي ستتقدم بها للسلطة التشريعية, وان ارادت ان تبني حوارا وطنيا يساهم في خلق حالة من الاجماع الوطني على قضايا اقتصادية مفصلية طالما شكلت نقطة اختلاف بين السلطتين فانها قادرة على ذلك.
في موازنة العام المقبل ستكون قضية تحرير قطاع المحروقات احد ابرز ملامح الخطة المالية للدولة, بمعنى البحث عن وسائل جديدة لالغاء الدعم عن المحروقات وبعض السلع وحصر المستفيدين بالمواطنين فقط, ولا يوجد لغاية الان تصور حكومي واضح حول هذا الموضوع, لا بل لا يوجد حتى استعدادات مسبقة تضمن تنافسية القطاع, وتخضع السوق لقوى العرض والطلب, وهذا الامر يتطلب حوارا تشاركيا ليس فقط مع النواب بل مع قوى وفعاليات المجتمع المختلفة, فلماذا تتحمل الحكومة وحدها وزر هذا القرار, فالحوار يساهم في خلق بدائل اضافة الى انه يعزز مبدأ تحمل المسؤولية في صناعة القرار الاقتصادي.
لعل تخوفات الحكومة في مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة يتركز في سبل تحسين مستوى معيشة المواطنين وايجاد الوسائل الداعمة لدخلهم المتآكل خاصة مع الزيادة المقبلة على اسعار المحروقات والمواد الغذائية, فالحكومة رصدت ما يقارب ال250 مليون دينار لشبكة الامان الاجتماعي, وتجارب الحكومات السابقة في هذا الشأن ما زالت ضئيلة ويشوبها الكثير من الخلل, اضافة الى ان معظم البرامج التنموية الاجتماعية السابقة لاقت انتقادات واسعة النطاق حتى من مسؤولين حكوميين انفسهم, وبالتالي فان المنطق يقتضي اولا تقييم تلك البرامج والاستفادة من الاخطاء المتراكمة التي حدثت سابقا, وبناء منظومة اجتماعية شاملة ومؤسسية تلبي توجهات جلالة الملك في تعزيز الامان الاجتماعي للمواطنين.
الحوار الاقتصادي بين فئات المجتمع بصورة شمولية ومؤسسية وسيلة ناجعة وفاعلة في ضمان الوصول الى نقاط التقاء حول قضايا اقتصادية ما زالت تشكل خلافا واسعا بين فئات المجتمع والسلطات.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)