اسكتوا البنادق وأوقفوا الحرب في السودان، فموقع السودان الجيوستراتيجي الاقتصادي لا يهم فقط العالم العربي باعتباره مصدر أمن غذائي أو مصدر ثروات وغيره، إنما يهم دولا أفريقية عديدة لا بل العديد من دول العالم. فاستقرار السودان هو استقرار لسبع عشرة دولة أفريقية مجاورة ومجاورة للدول المجاورة. الحرب التي اندلعت في السودان في 15 من نيسان الماضي لها تأثير مباشر وكبير على تلك الدول، وخاصة تلك التي تصدر وتستورد من السودان مثل مصر وغيرها. وتعداد سكان هذه الدول يصل الى أكثر من 500 مليون نسمة ويتأثرون مباشرة بمستوى تنمية الاقتصاد السوداني. كل يوم يثبت للجميع أن العالم متشابك سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومعيشياً وانسانياً.
أيقاف النزاع في السودان مصلحة عربية وعالمية وإنسانية، لأن كل طلقة تطلق باتجاه الطرف الآخر هي بمثابة قتل لنفس بشرية، وقتل للمحبة بين الناس، وزرع بذرة كراهية في نفوس الناس، ستحتاج لسنوات وسنوات حتى تُنسى، وستفتح الأبواب للمزيد من النزاعات والحروب في المنطقة والاقليم والعالم.
الاقتصاد السوداني يعاني منذ أمد بعيد ويمر بحالة من التباطؤ الاقتصادي وارتفاع عجز الموازنة وبالتالي ارتفاع المديونية، واستمرار الحرب فيه يعني استنزاف أكثر من نصف مليار دولار يومياَ، ويعني ازدياد حالة الركود الاقتصادي التي يعيشها ووصوله لحالة سيصعب تسديد ديونه المترتبة عليه للمؤسسات المالية الاقليمية والدولية. وهذا بدوره سيؤثر على سلاسل التوريد للعديد من السلع الغذائية والمواد الاولية ولسلع تعتبر استراتيجية على المستوى العالمي مثل القطن والصمغ العربي الذي يشكل انتاج السودان منه حوالي 75% من الانتاج العالمي.
وتنبع أهمية الاقتصاد السوداني من أهمية الصناعة في السودان والتي تتركز في الصناعات التحويلية والتي تعتمد علي المنتجات الزراعية مثل النسيج والزيوت والسكر. حيث تبلغ كمية إنتاج الزيوت أكثر من 3 مليون طن والتي تتعامل مع زيوت بذرة القطن وعباد الشمس والفول السوداني والسمسم. هذا بالإضافة للصناعات التحويلية الأخرى مثل صناعة الإيثانول، حيث يعتبر السودان أول دولة عربية منتجة للإيثانول، وثاني أكبر منتج للإيثانول في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا.
ويعتبر السودان واحد من أكبر ثلاث بلدان في القارة الأفريقية من حيث المساحة وواحد من أهم بلدان العالم التي تتوفر فيه المياه والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة بما يقارب ثلث إجمالي مساحته البالغة 1.9 مليون كيلو متر مربع، مما يجعله «سلة غذاء» عالمية مؤكدة.
علاوة على ذلك، يعتبر السودان معبراً لتجارة العديد من الدول المغلقة المحيطة به، مثل تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا وغيرها، نظرأ لاعتمادها على ميناء بورتسودان في توفير احتياجاتها من الخارج. لذا، فان استمرار الحرب في السودان سيؤثر على موازين مدفوعات تلك الدول وسيؤثر أيضاً على الملاءة الائتمانية الخاصة بكل منها لمختلف المؤسسات التمويلية.
وقد تنعكس أزمة السودان على شكل أزمة ديون للمؤسسات الاقليمية والدولية، لأن أولوية الانفاق الحكومي في السودان الان هي الانفاق العسكري والأمني على حساب التنمية وتوفير المتطلبات الأساسية وانتاج الغذاء وتوفير العملات الاجنبية لتغطية حاجات ميزان المدفوعات. كل ذلك سيزيد من المخاوف من تفاقم أزمة القروض المتعثرة لدى بنوك التنمية كبنك التجارة والتنمية، وبنك التصدير والاستيراد، والمؤسسة الاسلامية لتنمية القطاع الخاص، وبنك التنمية الافريقي، والبنك الاسلامي للتنيمة.
لا شك بأن النزاع في السودان، وهي دولة وسطية في القارة الافريقية، له تأثير مباشر على الامن المائي لدول حوض النيل. لذا، فاطالة الحرب في السودان قد يكون له تبعات على حجم المياه الواردة للنيل مروراً بالسودان ووصولا لجهورية مصر العربية، وخاصة بعد بروز احتمالية استغلال الحرب في السودان لملىء سد النهضة في أثيوبيا واحتمالية مباشرة دول أخرى في المنطقة لبناء سدود لها في أراضيها على مسارات النيل وتأثير ذلك على حقوق دول المصب؛ السودان ومصر.
اذا طال أمد الصراع في السودان سيعيق التنمية الاقتصادية والاستقرار في المنطقة، وسيدمر البنية التحتية، ويعطل الأعمال التجارية، ويوقف الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. ولا شك أن الحرب في السودان لديها القدرة على زعزعة استقرار المنطقة بأكملها. ويمكن أن تمتد إلى البلدان المجاورة، وتؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة، والمساهمة في انتشار الجماعات المسلحة. ومن خلال وقف الصراع، تزداد فرص الاستقرار والأمن الإقليميين.
ان إسكات البنادق وإنهاء الحرب في السودان أمر حاسم لتحقيق السلام الدائم والمصالحة بين مختلف الجماعات العرقية والسياسية، ويوفر فرصة للحوار والتفاوض وإنشاء هياكل حكم شاملة تعالج الأسباب الجذرية للصراع. أن وقف الحرب في السودان مطلب لكافة شعوب المنطقة ويتطلب تعاوناً ودعماً أقليميا ودولياً جاداً وصادقاً.
الرأي