السّياحة الشّعرية تجتاح أروقة "السّوشال ميديا"
أحمد حسن ضيف اللّه
06-05-2023 01:23 PM
يُعاني الكثير منّا من داء السّفر والإبحار عبر التنقّل بأزرار جهازه الخليوي في أروقة و أزقّة "السّوشال ميديا" أو ما يسمّيه البعض بوسائل التّواصل الإجتماعي ,وممّا يلفت النّظر انّك تُقابل الغثّ والسّمين ,النّافع والضّار في جولتك المكّوكيّة وترى كيف اختلط الحابل بالنّابل في ظل التّكنولوجيا المتطوّرة والتسّارع الزّمني الذي يجعلك في سوق البورصة الأكثر رواجًا وانتشارًا حيث ترتفع أسهم فلان و يهبط مؤشّر فلان تِبعًا للمزاج العاطفي والحالة النّفسيّة للمُسافر ومِن ضمن الجولات السّياحيّة الّتي تُلفت الأنظار جولتنا في عالم الشّعر في زمان "التيك توك" خصوصًا والإنستغرام عمومًا ,ناهيك عن "كتاب الوجوه" عذرًا أقصد الفيس بوك.. فكلاهما وجهانِ لعِملةٍ واحدة غير أنّنا نفضّل الصّورة على الكتابة.
إنّ المُراقب للأشعار المطروحة في " مواقع الإنتشار الضوئيّة" ومن يصنعها يلمسُ جليًّا الفروقات الشّاسعة في المحتوى لكن للأسف قد يميلُ بأذنه الموسيقيّة للعزف الّذي يريده تحت مُسمى "الحُرّيّة الشخصيّة" والمزاج العالي دون معرفته لتدنّي المستوى الّذي يُتابعه ويسمعه على انّه شعرٌ عربيٌ أصيل .
وبهذا الشّكل ضاع حقُّ الكثير مِن أصحاب المصفوفات الهندسيّة الشّعرية ذات الذّوق الرفيع والكلمة الهادفة والمحتوى القيّم فتجد الأُدباء والشّعراء والكُتاب موائدهم الأدبيّة وصالوناتهم اللّغوية لا يرتادُها إلاّ القليل القليل ممّن فهِم ووعى لمكنوناتهم الدّفينة وأسرارهم الثّمينة ,كيف لا ونحن ننظر ونتابع المظاهر المّادّية اللاّمعة البرّاقة ونغضّ الطّرف عن الجوهر المعنوي الذي ما إن تغوص في أعماقه حتى ترى اللآلىء في أصدافها الجميلة فتأخذك لعوالم سحريّة مليئة بالخيال والإستعارة والدّرر البديعة من وزنٍ وقافية ٍ عالية في نغمها وإيقاعها.
وإنّ ما يُحزن المُتأمّل في الجولة السّياحيّة التي لا تنتهي في وسائل التواصل الإجتماعي استخدام لغات عامّيّة على اختلاف اللهجات واللّكنات إلى جانب أمّ اللّغات الفصيحة "اللّغة العربيّة" في قول الشّعر وسرد النثر لا بل الأدهى والامرّ من ذلك هو إستخدام الحركات المُتأرجحة في التشكيل والتزيين للغتنا الجميلة .. تارةً يرفع المنصوب وتارةً أخرى ينصب المجرور ناهيك عن زغاريد التّنوين التي تولولُ في بيت عزاء روّاده من أصحاب الأُذن الموسيقيّة الفريدة التي لا تستقيم على وزن أو بحر بل يعصف بهم بحر الحروف المقطّعة وتغرق على شواظئهم سفن النجاة .
فإلى متى نبقى رهن السّياحة المُبطّنة باسم الشعر الذي لا يمدّ للشّعر قيد أُنملة ؟!..
دعوة للانتباه إلى واقعنا اللّغوي وبيئتنا الشّعريّة الأصيلة عبر رحلة الزّمن الشّاق في وسائل التّواصل الإجتماعي، الرّأفة بالكلمات ..الإهتمام بالألفاظ.. تطهير مسامع آذاننا من السّقطات اللّغويّة قبل ألا يقوم للشّعر العربيّ الفصيح بعدها قائمة.