مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية بين الشك واليقين
السفير الدكتور موفق العجلوني
04-05-2023 11:57 AM
تواجه مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية بشكل عام إشكالية كبرى، وخاصة بموضوع الاستطلاع. و ما دعاني تناول هذا الامر، هو انني المدير العام لمركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية و الذي تأسيس عام ٢٠١٨، و يقوم المركز بتواضع بالقيام ببعض الاستطلاعات و الدراسات و الأبحاث الاستراتيجية، و يتوخى دائماً الدقة وتحري الحقيقة بكل مسؤولية و أمانة . و نظراً لعدم وجود دعم حكومي لمراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية اسوة بدعم الاحزاب على اقل تقدير، ربما تحاول مراكز الدراسات ضمن الإمكانات المالية المتاحة التوسع في عملية الاستطلاع الا ان الإمكانيات كثيرا من الاحيان لا تكون متوفرة، و من هنا تكون الاستطلاعات أحيانا تنقصها الدقة والموضوعية ، الامر الى تواجه بالنقد من حيث دقة الاستطلاع و خاصة اذا تعلق الامر بالحكومة.
ولكي تتمكن مراكز الدراسات و الأبحاث الاستراتيجية من القيام بعملها على اكمل وجه و يعيد القائمون على هذه المراكز تقييم أسلوب عملهم وفق المعايير الموضوعية للدول ذات الظروف المشابهة، وبما يحفظ للوطن أمنه واستقراره، ورخاء شعبه الأصيل دون مواربة أو استهداف لا بد ان تتمتع هذه المراكز المعتمدة رسمياً من الاستقلال المالي والإداري و تتلقى الدعم المالي من الحكومة اولاً و من المؤسسات الخاصة ذات الدخول العالية كالبنوك و الشركات الكبيرة .
جذب انتباهي مقال لسعادة العين الدكتور طلال طلب الشرفات بعنوان : مرة أخرى ..".استطلاع مركز الدراسات " و الذي اكن له كل تقدير واحترام علماً بانه لم يسبق لي لن التقيت بسعادته باستثناء على صفحات وسائل الصحافة والاعلام حيث يقول :
لست مقتنعاً بالطريقة والأسلوب الذي يُجري فيه مركز الدراسات الاستراتيجية استطلاعاته، ولا في أسلوب اختيار العينة البحثية وضرورة تغيّرها من استطلاع لآخر، وكفاءة المستطلعين في أسلوب الأسئلة ورصد النتائج، ولا في توقيت الاستطلاع وحياد المستطلعين والقائمين على الاستطلاع، لا بل أن ثمَّة توظيف سياسي لنتائج الاستطلاع يرتبط بشكل كبير في تسميم المشهد السياسي وتوتير الرأي العام.
المعايير العالمية في استطلاعات الرأي تأخذ بعين الاعتبار التفرقة بين سياسة الحكومات، والظروف القسرية التي تكتنف واقع الدولة بما لا تستطيع الحكومات مهما كانت فاعلة دفعها، أو تذليل الصعاب حيالها، أو معالجة آثارها.
حكومة بشر الخصاونة حكومة وطنية تحفظ للدولة هويتها ولونها الوطني؛ بعيداً عن محاولات السطو، واستدعاء الغلاة والعابثين بشرف الموقع العام، والذي تأتي تلك الاستطلاعات العبثية؛ لتزيده صعوبة وإرهاقاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وإمكانات شحيحة، وموازنة مثقلة بالعجز الغضب والهموم، ومؤامرات إقليمية ودولية تهدف لضرب سلمنا الأهلي، وصمودنا الوطني الذي لا نريد لمراكز الاستطلاع أن تكون إحدى أدواتها.
نتائج الاستطلاع -أي استطلاع- يجب أن تعكس سياسات الحكومة وفق معايير الممكن والمتاح، وبدون ذلك يكون الاستطلاع مؤذياً للوطن برمته، ووسيلة للشتيمة والغضب، وأداة للقوى الموازية لتستقوي على سلطة دستورية، وفرصة للخصوم السياسيين للإقصاء، والنميمة السياسية، ودس السم في الدسم الوطني المتعب من ممارسات هؤلاء، والمثقل بالوقيعة من التيار الجديد.
أسلوب الاستطلاع خطير، ونتائجه تنبئ بالتحريض على خلق رأي عام يقوّض سلطات الدولة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية وكل مسارات التحديث السياسي، والاقتصادي ويحذر من مغبة آثار الأمنيات المتعثرة التي لم تصدع لها الحكومة في ظني، ويؤشر إلى حالة من الحنق السياسي الذي يستعجل رحيل الحكومة؛ لأسباب لا تمت إلى الموضوعية بصلة، ويشحذ الأقلام المتأهبة.
ثمَّة مصلحة وطنية عليا تعلو على محاولات الضرب على خاصرة الوطن والتي عادة -للأسف- تكون مشبعة بالتحريض، وإذ كنا نربأ بمركز الدراسات أن يشعل فتيل النقمة الوطنية؛ فإننا ندعو القائمين عليه أن يعيدوا تقييم أسلوب عملهم وفق المعايير الموضوعية للدول ذات الظروف المشابهة، وبما يحفظ للوطن أمنه واستقراره، ورخاء شعبه الأصيل دون مواربة أو استهداف.
في ضوء هذا الواقع "المتناقض" بين الشك و الثقة و عدم اليقين ، فأنني اتفق مع ما ذهب اليه دولة العين سمير الرفاعي حول هذه المسألة خلال جلسة المشاركة السياسية والحزبية ضمن فعاليات منتدى تواصل الذي اطلقته مؤسسة ولي العهد اليوم السبت، بحضور سمو ولي العهد الامير الحسين ( مقالي المنشور في عمون الغراء بعنوان : "التواصل في فكر ولي العهد والتغيير في منهجية العمل " تاريخ ٢/٥/٢٠٢٣ ) : " أنّ الحماس الشبابي للتحديث السياسي والحزبي مربوط بالأوضاع الاقتصادية وفرص العمل المقدمة للشباب .وإنّ على الشباب عدم النظر إلى أعداد الأحزاب والمنتسبين إليها وإنما دراسة برامجها ومدى تقبلها للتغير داخلياً وقدرتها ومواكبتها للحياة الحديثة والمتطورة التي تحتاج للشباب.
باعتقادي ان المسألة مرتبطة بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي و الاجتماعي اكثر بكثير من موضوع نسب الاستطلاعات سواء كانت صحيحة او غير دقيقة، علماً ان هذه الاستطلاعات هي مؤشر على وجود مشكلة سواء هنا او هناك ، علاوة على تواضع عدد المنتسبين للأحزاب مقارنة بعدد السكان او حتى بالنسبة للشباب ، و ان الامر مرتبط ببرامج الحكومة و ليس ببرامج الاحزاب والتي تحتاج لسنوات قادمة .
فالمواطن الأردني والشباب خاصة لا زال لديهم العديد من الشكوك في ان الانتساب للأحزاب سيكون الحل للوضع الاقتصادي و خاصة مواضيع الفقر والبطالة. و اذا قارنا بين ثقة الشباب بالحكومة و ثقة الشباب في الاحزاب ستكون النتيجة ١٠٠٪ ليست لصالح الاحزاب والتي لا زالت حقيقة تتأرجح بين الماضي و الحاضر والمستقبل. وتبرز المشكلة الأخرى أيضاً في عدم الثقة في الأمناء العامين للأحزاب أحياناً و برامجها، مع وجود رغبة شعبية لوجود أحزاب اردنية وطنية استناداً الى رؤية جلالة الملك عبد الله حفظه الله، و لكن يبدو ان هنالك بون شاسع بين رؤيا جلالة الملك و واقع الحال للأحزاب.
يبدوا من خلال ما تقوم به مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية من استطلاعات وما يدور في الشارع العام رغم الاحتفالات بتأسيس عدد لا بأس به من الاحزاب ان الأمور في حالة الشك و عدم اليقين و ما يصرح به النخبة السياسة المطلعة على الوضع العام ، ان الوضع مرتبط اولاً بالعامل الاقتصادي و عقيدتنا و عاداتنا و تقاليدنا وارثنا الوطني علاوة على عدم وجود برامج واضحة و خطط إدارية و خطط استراتيجية مبنية على دراسات معمقة لدى الاحزاب، و هذا ما يدور في خلد الشباب هذا اليوم.
* مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me