العنف في الجامعات بين الحلول المسكّنة والحلول الحقيقية
د. عبدالهادي أبو قاعود
04-05-2023 10:39 AM
مشهد محزن يدمي القلب أن تتحول مصانع العقول إلى ساحات حرب يتقاذف فيها الطلبة ومؤازريهم اللكمات و الألفاظ غير اللائقة، و يتحول الحرم الأمن إلى منطقة تعج بالخوف والتشنج.
أمر يؤكد أن الخلل كبير ولا يتحمله طرف، فالمشاجرات التي تقع بين الفينة والأخرى لن تنهيها عقوبة أو إخراج من التعليم الجامعي لطالب أو مجموعة طلاب، ستعود مرات عديدة ودليل ما أقول اننا في كل مرة تحدث فيها مشاجرة نطبق نفس الوصفة التي لم تنجح في اجتثاث المرض بل تحول من عارض إلى مزمن، وهذا مرده ضعف التشخيص الذي يقتصر على النظر الى ما يحدث من جانب واحد.
الطلبة الجامعيون هم مخرجات المدارس بمختلف برامجها وفئاتها ومناطق تواجدها، وقبل ذلك هم نتاج أسرة هي المكون الأول والمنشئ لهم، هذه الحلقات الثلاث ( الأسرة، والمدرسة ، والجامعة،) هي شريكة في صقل وتكوين الطالب الجامعي الذي يكون عمره عند دخوله الحرم الجامعي ما بين (١٧- ١٨) عاما ما يعني أن التأثير الأكبر في تحصينه وتوجيهه الوجهة الصحيحة هي الفترة السابقة لدخوله الجامعة وهذا يحتّم علينا إدراك التحولات التي طرات على كل من الأسرة التي تنازلت عن دورها التربوي و أصبحت تنتظر ذهاب ابنها إلى المدرسة ليقضي فترة يتلقى فيها تعليما باعتباره الهدف الأساسي دون تربية والمدرسة التي أصبحت مكانا منزوع التأثير يمضي فيه الطالب ثلث يومه تلقينا واختبارا تحوّل فيه المعلم من قائد وقدوة إلى موظف ينتظر مرور الوقت دون التعرض لأي طالب بتوجيه أو تنبيه، إلى جانب تغول وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أحد المصادر الرئيسة لتغذية ثقافته دون رقيب أو متابع، لضحالة وسطحية ما تعرضه وتقدمه.
بهذه المكونات علينا أن نتوقع وصول بعض الطلبة إلى الحرم الجامعي الذي أصبح متخما بالأعداد الملفتة التي تلتحق مع بداية كل جامعي بإحدى الجامعات الرسمية وهي الأوفر حظاً بقبول الطلبة وهنا ينبغي ملاحظة الزيادة الكبيرة التي طرأت على أعداد الطلبة في جامعات محددة ما أدى إلى تركز أكثر الطلبة فيها وخير دليل ذلك ( أعداد الطلبة في جامعات الأردنية، اليرموك، الهاشمية،التكنولوجيا) هو الأكبر على حساب الجامعات الموجودة في محافظات معان ( جامعة الحسين بن طلال) الطفيلة ( جامعة الطفيلة التقنية) المفرق (جامعة ال البيت) الكرك ( جامعة مؤتة) حيث أن الخلل في أعداد الطلبة بين هذه الجامعات مرده السماح بأن تكون البرامج الأكاديمية نسخة مكررة في أغلب الجامعات ما أدى إلى عزوف الطلبة وذويهم عن إرسال أبنائهم إلى جامعات أصبحنا نسميها ( جامعات الأطراف فأصبحت في غالبها مقتصرة على أبناء المناطق المتواجدة فيها.
الخلل في توزيع الطلبة جعل بعض الجامعات تصل إلى حد التخمة في اعداد الطلبة المقبولين فيها مع عدم القدرة على توفير ما يحتاجونه من قاعات مؤهلة ومختبرات ومسارح ومدرجات ومكتبات وأماكن يقضون فيها أوقات فراغهم بين المحاضرات، فالحرم الجامعي لا يقاس بمساحة الرقعة الجغرافية من الأرض وإنما بالمنشأت المقامة على أرضه لاستيعاب الطلبة ومتطلباتهم التعليمية ونظرة عابرة على اعداد الطلبة في الشعب تؤكد صحة ما أقول فلا يعقل أن يصبح عدد الطلبة في بعض المواد يتجاوز ال(500) طالب و بعضها تجاوز ال( ١٠٠٠) طالب بحجة أنها متطلبات جامعة هل هذه الأعداد تتناسب مع التوجه نحو العالمية معايير الإعتماد والجودة الذي أصبح غاية تلهث الجامعات ورائها بدل ان تكون نتيجة تصل إليها بعد تجويد بيئتها الجامعية.
متطلبات الجامعة التي يشترك في دراستها الطلبة من مختلف التخصصات والتي تزود الطلبة بمعارف ومهارات عن الوطن، وقيادته ومسيرة الدولة ومنجزاتها وتاريخ العروبة والإسلام قامت بعض الإدارات الجامعية بتحويلها إلى نظام ال ( On Line) بحجة توفير النفقات، وهنا أتساءل ما القيمة المتبقية لهذه المواد بعد هذا التشويه؟ أليس من حق الطالب الذي يدفع رسوم هذه المواد أن يدرس المادة وجاهيا على يد مدرسين مؤهلين عارفين بتاريخ الأردن مسيرته ومحطات نهضته؟ كيف يستقيم أن تكون رسوم المادة التي يدرسها الطالب عن بعد ( On line) نفس رسوم المادة الوجاهية؟ أليس من حق الطالب الجامعي أن يحصل على قاعة مهيأة بشكل فعلي للتدريس؟.
العنف الجامعات لا يمكن النظر إليه بمعزل عن طرق اختيار القيادات الجامعية بكافة فئاتها باعتبارها هي الأكثر التصاقا بالطلبة بمختلف مفاصل الحياة الجامعية وهذه القيادات ينبغي أن يكون أساس اختيارها يخضع لاعتبارات واضحة منطقية بحيث يكونوا من الشخصيات الإدارية الوازنة التي تمتلك رؤية واضحة قادرة قيادة الجامعة والسير بها إلى مدارج التميز والتقدم وفق خطة تكون ذات نتائج ملموسة هادفة قابلة للتحقق على أرض الجامعة تراعي البيئة الجامعية بمختلف مكوناتها تنهض بالطلبة وتنمي فيهم روح المبادرة والعمل التطوعي النافع بعيدا العشوائية والتفرد بالقرار والارتجاف.
العنف في الجامعات لا يمكن القضاء عليه دون خطة علاجية حقيقية تشترك فيها الأسرة من خلال استعادة دورها في تهذيب افرادها وحسن وتقويمهم والمدرسة من خلال بعث المكانة الحقيقية لها تربية وسلوكا ومنهاجا، والمجتمع بقياداته ومسؤوليه الفاعلين ليكونوا مساندين للجامعات في قراراتها وخططها لتطوير المجتمع وتغيير بعض ممارساته السلبية.