ليس هناك فراغ الا وسوف يُملى من جهة ما ، وهذا ما يعبر عنه حال بعض المجتمعات التي تشهد تشظي ولاءات أبناؤها سياسياً "لفئة أو فكرة أو مذهب أو معتقد " عابرة لحدودها السياسية ليطرح ذلك إشكالية في قلب المجتمع بماهية مناعة تجذر جذوره وكيف لأغصانه أن تعانق عقائد فكرية منفصمة عن مصلحته الوطنية بما يرسمه تصوراتها من تقويض لكينونته السياسية .
خصوصاً أن من تلك العقائد التي تحظى بالولاءات التائهة ذات سيرة محملة بكثير من الحراب الدامية بسلوكها التاريخي بمحاولاتها هدم مشروعية فكرة وحدة كيانه السياسي المعبر عن وحدة الإنسان والتراب .
وفي الحقيقة خطورة هذه الوقائع بما تمثله على عدة اصعدة من حالة المد والجزر ومن انطلاق وانحسار بالتفاعل مع القضايا المحلية وما يتأثر به الفرد من ولاءات عابرة يكنها في نفس حائرة بين الفراغ وما يحثه عليه ضمير فطرته .
وتفرض ازمة الولاءات العابرة تساؤلات لا تتوقف ومن أهمها ، دور الطبقة المثقفة التي لم تنبت من رحمها فكرا سياسيا وطنيا ذا مناعة يحمل مشروعا مضادا يعمل من خلاله على إحداث اصطفاف حوله ليعبر عن مشروعية تنبثق بما يخاطب فيه ذات المجتمع بدءاً من مصالحه وأولوياته ومعالجة تحدياته مع تبيان مواقفه من قضاياه المحلية والخارجية الخ ...
كما يدفع فينا الفضول المصحوب بحيرة مضطربة التساؤل حول دور الجانب الرسمي ومدى نجاعة مشروعه " إن وجد " في مواجهة الولاءات التائهة وما تخلفه من سموم مؤداها انقسامات في أعماق اعماق المجتمع وتهدده بوحدته وبسلمه المجتمعي .
ونجد بأن جزء من فهم حالة نماء وتعاظم " الولاءات العابرة" بجوهر تكوينها ناجم عن الفراغ جراء إستقالة المفكر من دوره وإفراغ عقل السلطة من المثقف المستنير الأمر الذي هيأ المناخ الملائم للولاءات العابرة أن تجد رواجاً أكثر فعالية من موطن نشأتها ، لعدم تقبل الطبيعة للفراغ ' وهذا ما جعل الوعاء الفكري والعاطفي للفرد مستعداً للملء من عقائد وراء السهوب تارة ومن أفول ضياء الوعي تارة أخرى خشية فكرة وليدة لهاجس غرف معتمة من تيه مقاليد مفاتيحها .