رغم أنها لم تغب يوما عن واجهة الحدث الرئيسي فلسطينيا وعربيا، إلاّ أن استشهاد الأسير خضر عدنان أو اغتياله بصمت إن صح التعبير أعادت قضية الأسرى الفلسطينيين إلى رأس هرم الاهتمام، وأعادت التأكيد على أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي لا تتوقف عند حدّ، وسلبه أبسط الحقوق للإنسانية من الفلسطينيين عامة والأسرى خاصة.
خضر عدنان، انتصرت عليهم بوجعك، ورفضك الطعام، انتصرت عليهم رغم مغادرة حياة رفضتها بين قضبان محتل سلب الوطن لكنه لم يتمكن من سلب قوّتك وإصرارك وعزيمتك، فكنت رغما عنهم أيقونة الإصرار بإضرابك المفتوح عن الطعام منذ لحظة اعتقالك في الخامس من شباط الماضي، حاربتهم بسلاح لا مضادات له بين أسلحتهم، حاربتهم بجوعك الذي أصريت عليه رغم تدهور حالتك الصحية، إلاّ أنك بقيت في ميدانك مرفوع الرأس حتى ارتقت روحك الطاهرة بقوّة لا توازيها قوّة.
الأسرى الفلسطينيون لا يملكون لنيل حقوقهم سوى سلاح الأمعاء الفارغة، ليخرجوا منها دوما منتصرين، بنيل كرامتهم ونيل الشهادة أو حقوقهم، السلاح الذي لا تجد لمقاومته إسرائيل سبيلا.. رغم كل ما تملكه من أسلحة هي الأضخم على مستوى العالم، والأكثر فتكا، لكنها تُهزم بحرفيّة المعنى أمام سلاح الأسرى الذي وصلوا اليه نتيجة للظلم والقهر والواقع المرير الذي يعيشون به في المعتقلات الإسرائيلية.
ملف الأسرى الفلسطينيين هو الأكثر أهمية، سيما وأن أعدادهم في تزايد وسط ظروف أقل ما توصف به أنها قاسية، وكثيرا ما يستشهد الأسرى نتيجة التعرض للتعذيب أو للظروف التي يعانون منها، الأمر الذي يجعل من حسم هذا الملف، والعمل على مستوى دولي لإنهائه بما يكفل سلامة الأسرى وحريتهم، وفي كثير من الأحيان توفير محاكمات عادلة لهم.
من بعدك يا شهيد الإصرار، عمّ الإضراب الشامل كافة محافظات فلسطين حدادًا على استشهادك، وأعلنت القوى الوطنية الإضراب في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، في كافة مناحي الحياة، استنكارا لاغتيالك، والأهم أن الاحتلال رفع حالة التأهب للتعامل مع أي أحداث داخل السجون، وتعليمات مشددة فورية من بن غفير للسيطرة على حالة الغضب التي سادت السجون والشارع الفلسطيني وزوجتك رفضت فتح بيت عزاء إنما بدأت باستقبال المهنئين هي وأطفالك، واستنكار عربي شامل، من بعدك بساعات بل بدقائق حدث الكثير الكثير وربما يحدث الأكثر اليوم أو يوم غد لصالح الأسرى.
الشهيد خضر عدنان هو أول أسير يستشهد خلال إضراب فردي، إذ إن جميع من ارتقوا قبل ذلك كان استشهادهم خلال إضرابات جماعية، وكان ستة أسرى قد استشهدوا في سجون الاحتلال بعد خوضهم إضرابا عن الطعام، ليكون منفردا في انتصاره وفي تسجيله قصة مجد خاض تفاصيلها بمفرده ليخط سطورها الأخيرة، بشهقات خرقت صمت السجون وظلم الاحتلال.
رحم الله الشهيد خضر عدنان (45) عاما، الذي أصرّ على مواجهة العدو بكل ما أوتي من قوّة فكان جوعه هو القوّة، لتبقى فلسطين صامدة قوية تعيش بكرامة رغم الاحتلال الذي يصرّ على مواجهة من يجدون في الموت حياة.
(الدستور)