رغم بقاء المزاج الاردني العام في دائرة السلبية, الا ان مؤسسات الدولة حققت تقدما ملموسا في الاستطلاع الاخير الذي اجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية, المركز الاعرق والاكثر انضباطا بالمعايير المهنية في الاقليم, ودون شك خالفت نتائج الاستطلاع عن حكومة الدكتور بشر الخصاونة بعد مرور عامين ونصف على تشكيلها, رغائب كثير من خصومها, وعاكست احلام كثيرين يرغبون في خروجها من المشهد الحياتي, رغم انها لم ترتكب اي خطأ وطني او خطيئة قومية, او انحرفت بوصلتها عن الالتزام بمعايير النزاهة, وطبعا لم يكن المتربصون بالمركز اقل صدمة.
المفارقة التي يجب التوقف عندها بداية, ان نفس المنهجية التي استخدمها المركز في استطلاعه السابق, هي نفس المنهجية, بل والاكثر غرابة ان الاسئلة نفسها, مما يعني ان التحسن طرأ على المزاج العام رغم السلبية العامة, فقد حققت كل مؤسسات الدولة تقدما على مقياس الرضى, وتحديدا القوات المسلحة والاجهزة الامنية, وباقي المؤسسات الشرطية والصحية والتعليمية, وحافظت الحكومة رغم عدم اقترابها من شراء الغرائزية السياسية او استعطاف الحالة الاقتصادية الكلية على حساب اللحظة, كما طالبها الغرائزيون على نفس نسب الرضى وتحديدا رئيس الحكومة, رغم ان رؤساء كثر خسروا الكثير من شعبيتهم خلال نفس الفترة التي قاد بها الخصاونة حكومته, اي «عامان ونصف».
بالضرورة الحكومة وكما كشف وزير عامل, مرتاحة لنتائج الاستطلاع ومنسوب الرضى العام عن ادائها, رغم كل محاولات الغرائزيين جذبها الى منطقهم, فخرجت سالمة ولم تتدخل في القطاع النقدي الذي سعت اطراف كثيرة الى جذبها الى مناطقه بتأجيل الاقساط, كما لم تنجذب الى شهوة تأجيل اوامر الدفاع الخاصة بالمدين, واعتقد لو قاربت هاتين المنطقتين لتحسنت أرقامها اكثر, لكن الرئيس بقي ممسكا على وعده بعدم شراء الرضى المؤقت او المحاباة الوقتية على حساب الصورة الوطنية الكلية, وهذا يحسب له لا عليه.
الاستطلاع وان حمل بشائر ايجابية الى الحكومة والمؤسسات العسكرية والامنية وباقي مؤسسات الدولة, الا انه حمل رسائل انذار في منتهى الاهمية, ابرزها ان منظومة التحديث الثلاثية التي تشكل عنوان مُدخل الدولة الى المئوية الثانية تحتاج الى صيانة والى اعادة توضيب وتاهيل, فأدنى نسب الرضى, كانت عن البرلمان والمجالس المنتخبة, والاحزاب والحكومة, وهذا يعني بشكل واضح, ان نزاهة العملية الانتخابية بحاجة الى صون وصيانة, كذلك التعيينات الرسمية بحاجة الى حصافة, ودون ذلك ستبقى معضلة الثلثين حاضرة, وتعمق غياب الثلثين عن المساهمة والمشاركة, فالطريقة التي انتجنا فيها الحياة الحزبية تحيطها ظلال كثيرة..
استطلاع الرأي يكشف ويؤكد ان المجتمع الاردني غير سعيد, لكن الافراد سعداء كما قالوا, وهذه بحاجة الى وقفة جادة جدا, والاخطر هو رأي طلبة الجامعات في العمل الحزبي, حيث يرفضونه بالاتجاهين, المشاركة بالحياة الحزبية ودخول الاحزاب الى الجامعات, وهذا بحاجة ايضا الى عملية انقاذ سريعة.
واضح ان مزاج الاردنيين في الربيع يعتدل ايجابيا, وعلى الحكومة ومؤسسات الدولة التقاط هذا المزاج المتحسن نسبيا لتعميقه وتقديم خطوات تنفيذية تعزز الثقة.
(الراي)