التواصل في فكر ولي العهد والتغيير في منهجية العمل
السفير الدكتور موفق العجلوني
02-05-2023 07:26 PM
مفهوم التواصل بشكل عام هو عبارة عن التفاهم ما بين طرفين معينين كنظامين أو كيانين أو شخصين، ويكون أحد الطرفين مرسلاً في وقت معين، والطرف الآخر مستقبل في وقت أخر، ويحدث تفاعل إيجابي فيما بينهم، ويكون ذلك من خلال استعمال الحواس من قبل كل من المرسل والمستقبل على حد سواء، والذي ينبع من الرغبة الشديدة في التواصل.
أما بخصوص دواعي التواصل فهناك العديد من الدواعي التي من أجلها يحدث التواصل وهي طبيعة الإنسان الاستخلافية:" الغاية الأساسية من وجود الإنسان على هذه الأرض، هي خلافة الأرض وتعميرها وتطبيق التعاليم الإسلامية التي أمر الله تعالى بها، وهذه الغاية لا يمكن تحقيقها دون القدرة على التواصل مع الآخرين، وتحقيق الأهداف التي يسعى إليها كل إنسان." وبالتالي فان الطبيعة التي خلق عليها الإنسان تدفعه إلى الانفتاح والتعايش والتواصل مع غيره من البشر، والتصرف بحكمة وعقلانية.
بنفس الوقت هناك مجموعة من العوائق النفسية والسلوكية التي تعيق التواصل وخاصة لدى الشباب اليوم نتيجة للظروف العامة التي نعيشها سواء كانت ظروف اجتماعية او اقتصادية او غير ذلك وهي العوائق النفسية،" الامر الذي يدفع الشباب إلى الامتناع عن التواصل الفعال مع المجتمع، وهذه العوائق على نوعين: عوائق الإرسال، وتتضمن مجموعة من الصفات السلبية التي يحملها الشخص، كالتعالي، والغرور بالنفس، وسوء الظن بالآخرين. أما عوامل الاستجابة فتشمل عدة صفات كالكبر والجحود، بالإضافة إلى شعور الشخص بدونية الآخرين.
بنفس الوقت هنالك العوائق السلوكية:" وهي عبارة عن عدة صفات منفرة، وتنقسم إلى نوعين هما عوائق التبليغ وهي تضم تصرفات الشخص المنفرة؛ كالغضب والانفعال، والتعامل مع الآخرين بعنف وجبروت. وعوائق التلقي وهي التي تشمل على تصرفات معينة للشخص مع الآخرين كالتعامل معهم بالاستهزاء والإعراض والغفلة.
هناك عدة قيم يجب الالتزام بها عند التواصل مع الآخرين وهي قيم تحكم نية المتواصل، وتقوم هذه القيم على نية الإنسان في تواصله مع الآخرين، حيث يكون الهدف الرئيس من هذا التواصل هو الحصول على رضا الله سبحانه وتعالى أولاً ، وتشمل هذه القيم على مجموعة من الصفات؛ كالصدق والأمانة والحياء والتواضع واحترام الأخر والخضوع والاعتراف بالحق، بالإضافة إلى صفة الرفق واللين عند الحديث والحوار الهادئ، وحسن البيان، والتعامل برفق مع المتلقي، والتخاطب معه بالحسنى، والنطق بالألفاظ الطيبة و حسن الاستماع ، وحسن الإقبال على الطرف المخاطب.
اذا كان هذا هو مفهوم التواصل بعموميته، فكيف الحال اذا اذا جاءت هذه المبادرة من سلالة بني هاشم بعقد منتدى التواصل وبتوجيهات من قرة عين جلالة الملك عبد الله الثاني الذي نسير جميعاً على خطاه، هذه الخطى الثابتة والتي بنيت على خطى جده المرحوم بإذنه تعالى جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه ، فها هو الحسين على خطى الوالد عبد الله و خطى جده الحسين خطاً ثاقبة ثابتة ببعد نظرها و شموليتها ، لتكون المنارة التي يسير عليها شاباتنا وشبابنا أمل مستقبل الاردن العز و الكرامة و البناء و التقدم و الازدهار .
نعم في لقاء ولي العهد صاحب السمو الملكي الامير الحسين رعاه الله مع الشباب و بحضور أكثر من ٥٠٠ مشارك من الشباب و الشابات في منتدى تواصل و على رأسهم الانسة رجوه بنت خالد بن مساعد بن سيف بن عبدالعزيز آل سيف خطيبة سمو ولي العهد الامير الحسين وعدد من المسؤولين من أصحاب الدولة والوزراء والخبراء في كافة المجالات لتبادل المعلومات و التواصل حول الشأن العام في القضايا القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلام والمشاركة في الأحزاب السياسية و كل ما يتعلق بقضايا الشباب ، هذه القضايا التي تهم الشباب و تهم الوطن في الحاضر والمستقبل .
كان لقاء منتدى التواصل في قمة التواصل والوصال، كان سموه على مقربة من الشباب جميعاً و على مسافة واحدة، واكد سموه على "وجوب ان يبادر الشباب بخلق واقع افضل والتطلع دائماً الى الامام و بكل إيجابية و تفاؤل و خاصة انهم يتمتعون بطاقات مخزونة عظيمة ، و ان الشباب الأردني يثبت دائماً للقاصي و الداني انهم ليسوا قولاً فحسب و انما قولاً و فعلاِ ، و لا بد ان تنعكس هذه القيم الأردنية العربية الأصيلة على المناهج الأكاديمية والتقنية والمهنية. ولن يتأتى هذا الامر دون وجود حوار بناء منفتح وتواصل دائم بلا حدود، والتحدث بصراحة دون تجميل للواقع، أو إنكار للإنجازات". حتى يتم دعم الشباب وتأهيلهم ضمن مجريات العصر من اجل خلق فرص عمل للشباب، لان الشباب الأردني قادر على الابداع وخلق الفرص.
من هنا فالشباب الأردني لا بد ان يفكر بكل جرأة بآن هنالك مستقبل زاهر ينتظره، و على الشباب عدم التردد في اخذ الفرص " اذا هبت رياحك فاغتنمها" ، لأنه احياناً تلوح الفرص ولا نأخذها ، و ننتظر فرصاً أخرى أفضل و لا تأتي هذه الفرص و نندم عندها يوم لا ينفع الندم . وبالتالي يجب على الشباب الاعتماد على أنفسهم واغتنام الفرص المتاحة والبناء عليها. لان الشباب مسؤولون عن مستقبلهم، لكن حقهم في التمكين والتمكين، هذا واجب يقع القطاعات كلها وعلى رأسها القطاع العام.
بنفس الوقت، فقد اشار سمو ولي العهد الى بعض مواطن الخلل الذي تعاني منه مؤسساتنا وخاصة في المجال الإداري، لأن الإدارة هي المحرك لكل مسارات التحديث والتي ترتكز بشكل كبير على كفاءة وشفافية مؤسساتنا العامة ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين. من هنا كان الكثير من الخطط الجيدة التي وضعت لتخدم المصلحة العامة، و خاصة قضايا الشباب، و لكن بسبب الترهل الإداري أو أحبطها التشكيك وهذا يشل حركة الشباب و تقدمهم و السبب اننا لا نثق بأنفسنا و امكانياتنا، و بالتالي، لا بد من تغيير جذري في منهجية العمل، وأن نعمل بجدية ومهنية في التطبيق والمتابعة، و هذا ما يدعو اليه جلالة الملك عبد الله حفظه الله بأن يكون لدينا دائماً ثقة بقدراتنا وبطموحنا.
من هنا لا بد من خلق واقع أفضل وعلينا " أن نعيد النظر بمواردنا وطاقاتنا المهدورة، ونضع الكفاءة المناسبة في المكان المناسب لان في بلدنا الحبيب لدينا طاقات شابة عظيمة، وأن الأردني قول وفعل. وقد تميز الشاب الأردني في تفوقه في المجال التقني ونافس عربياً وعالمياً في الصناعة الرقمية وفي ريادة الأعمال والشركات الناشئة وفي الصناعات الدوائية والغذائية وفي الرياضة وفي السياحة، ونحن اليوم رافعون رؤوسنا بأخلاقيات عملنا ومهنيّتنا بشهادة اشقاءنا العرب والعالم."
وكما أشار سمو ولي العهد بأن "كفاءاتنا دائما متميزة بقيمنا المتأصلة كأردنيين، بالمبادرة والتكيف والمرونة، وهذه هي الصفات التي تتصدر المهارات المطلوبة اليوم، وعلينا أن نعكس قيمنا المتأصلة التي ورثناها أباً عن جد في شبابنا وآن الأوان أن نعكسها بشكل أفضل على مناهجنا الأكاديمية والتقنية والمهنية، ونُوظّفها في حياتنا العلمية والعملية.
واخيراً وليس اخراً منتدى التواصل يعيدنا الى كلمات سموه الموجهة لشبابنا وشاباتنا حيث يقول سموه: "علينا تمكين الشباب في خوض معركة المستقبل بأنفسهم، وذلك بإعطائهم الأدوات ليخاطبوا جيلهم من خلال عملية الحوار الإيجابي والتواصل، ليشكلوا شبكات فكرية وتحالفات عملية تقود الشباب الى معارج التقدم والنجاح.
وهنا لا بد من الإشارة الى مبادرات سمو ولي العهد الدائمة نحو الشباب والتي جاءت ترسم نموذجاً دائم للعمل الشبابي ، فمنها ما يركز على بناء المهارات الحياتية وتعزيز منظومة القيم ،ومنها ما هو مرتبط بتعزيز القدرات الشبابية وتوظيفها في عالم التكنولوجيا ومنها الرياضية والتعليمية والمهنية ، ومنها ما هو مرتبط بتراثنا الأردني وموروثنا العربي للحفاظ عليه ، ومنها ما جعلنا ننتقل بشبابنا للعالمية ، فالابتكارات والإبداعات ، كثيرة و هي الدلالات على وجود نسق منظم له مخرجات وأبعاد تحقق الأثر لدى شبابنا وشاباتنا ويمكن قياس ذلك من خلال المنجزات التي نفاخر بها العالم.
وبالتالي، نحن بحاجة للعمل بروح الفريق الواحد " يد الله مع الجماعة "ومشاركة فعّالة بكل ما يطرح من برامج ومشاريع تستهدف النهوض بالشباب، من خلال العديد من برامج مؤسسة ولي العهد و خاصة مبادرة على خطى الحسين، هذه الخطى التي يمكن ان نعبر من خلالها عن التفاف حقيقي لتصحيح مسار العمل الشبابي و السير على هذه الخطى، بحيث نستطيع إيجاد طريق لمستقبل واعد دون أن يكون مرهون بالسياسات الفردية تيمناً بخطى سموه و السير على نهج قائد مسيرتنا جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله .
الشكر موصول لسمو ولي العهد الأمير الحسين على التوجيهات السامية للشباب، والشكر موصول لمؤسسة ولي العهد على دورها في الأخذ بيد الشباب لسير على خطى الحسين وتقديم الدعم اللازم للشباب وخاصة بضرورة التواصل الدائم من اجل أردن شباب قوي قادر على الابداع في كافة مجالات الحياة والسير بخطأ ثاقبة نحو مستقبل مشرق خلف قيادتنا الحكيمة. والله ولي التوفيق وراعي مسيرة الخير والامن والأمان والتقدم والازدهار لأردننا الحبيب.
مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me