في حين أصبحت الليبرالية موتا بطيئا لبعض طبقات الأنظمة الحديثة، حافظت الأنظمة الدكتاتورية على عقوبة المقصلة، وفي ذلك يستشهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسؤاله للرئيس الصيني عما إذا كانت الصين تعاني من مشكلة المخدرات، ليجيبه (شي جين) بالنفي "لا يوجد لدينا مشكلة في المخدرات لأن العقوبة هي الموت".
تنسب الليبرالية كفكر محدث إلى الفيلسوف الإنجليزي (جون لوك) ، بينما الأنظمة الدكتاتورية ترتبط بصاحب كتاب الأمير ميكافيلي، ولا يملك جون من الشهرة ربع ما يملكه ميكافيلي بالأوساط السياسية والفكرية بالرغم من تغلب الليبرالية على الدكتاتورية، ويعود ذلك لتفضيل الليبراليين الإبتعاد عن شخصنة الفكر، سيما أن أحد مبادئها يتعلق بالتحرر من التبعية سواء للحاكم أو الدين.
إن أكبر طرفة سياسية يمكن أن تسمعها في الحقيقة المضحكة حد البكاء بأن ميكافيلي صاحب نظريات السيطرة والحكم قضى عمره في السجن والمنفى، ومات وضيعا يستجدي حاكم فلورنسا العودة للمنصب من خلال كتابه الشهير، في حين أن منظر الليبرالية الأول الإنجلزي (جون لوك) ساهم بشكل أساسي بتجارة العبيد في الولايات المتحدة، بل أنه امتلك حظائر بيع وشراء بالكامل، لا لتحريرهم وانما بهدف التجارة!.
يحاول البعض إيجاد نقيضا للإحزاب الليبرالية في أوروبا والولايات المتحدة من خلال الأحزاب المحافظة، ويرمي بثقل أفكاره على إيجاد خصم محافظ يسلط عليه الضوء للإحتفاظ بالسلطة، كما هي الليبرالية الأمريكية في عدائها المتبادل مع دونالد ترامب، متناسين أن أعداء الفكر الليبرالي هناك في الأنظمة الشمولية، وأنهم بتمكين الصين وتزعمها لمشروع وادي السيليكون لا يختلفون عن جون لوك بتجارة العبيد في الوقت الذي نادى فيه بمبادئ الليبرالية وعلى رأسها الحرية.
تشير الدراسات والأبحاث المبنية على التجربة والتقصي إلى أن البشر يعتنقون أفكاراً تنافي طبيعتهم ، وتؤكد هذه الدراسات أن نسبة عالية من الليبراليين يميلون بداخلهم للدكتاتورية وأنك قد تجد ليبرالي في أرفع المناصب يحتفظ بميكافيلي صغير داخل عقله، والعكس صحيح، فقد تلمس الليبرالية بطبيعة ترامب الغير متورط بالحروب وتجارة الدم ومشاريع وادي السيليكون.
الإدمان الحسي والرقمي، تحرر العقل وفوضى الدين والجنس والسياسة ، حرية العبودية وحرية الانتحار، تجارة المخدرات والأسلحة، تفاقم الفردية المقدسة وسلطة المال بتمثيل الشعب، الإعلام الموجه وانتقاء القضايا واستثارة الرأي ومن ثم وهم الحرية!، اختلاق الأزمات والحروب كلها مؤشرات على أننا نعيش نظام عالمي جديد يجمع بين نظامين, فكر جديد يمكن أن نسميه بالميكافيبرال.