الأردن على الحافة في أحداث عام 1970 / حلقة 3
د. محمد المناصير
01-05-2023 05:43 PM
في فوهة البركان.. خلط الأوراق واقتطاع أجزاء من الأردن
بعد تشكيل الحكومة العسكرية عام 1970 في الأردن أخذت قوات الطرفين، الجيش الأردني والفدائيين بالاستعداد للمواجهة، وقد كان الجيش الأردني يتكون بمجموعة من 55 ألف رجل ينتظم في ثلاث فرق مع أسلحتها المساندة وخاصة المدفعية، وكان الصراع يحتدم للسيطرة على العاصمة عمان التي يتمركز فيها الفدائيون ويسيطرون على معظمها.
واحتشد الفدائيون في حوالي 15 ألف رجل في مدينة عمان لديهم كميات هائلة من الأسلحة المكدسة داخل العاصمة، وكان 17 ألف جنديا عراقيا يتأهبون للانقضاض على الجيش الأردني عندما تأتيهم الأوامر، أما القوات السورية فتتململ استعدادا لأي طلب من الفدائيين لتتدخل عبر الحدود الأردنية، وكان على الجيش الأردني أن يوزع قواته في مواجهة إسرائيل التي تهدد بالتدخل، وفي مواجهة سورية، وفي مواجهة القوات العراقية، وفي مواجهة قوات الفدائيين، وقد وضع الجيش الأردني قوة كافية في مواجهة الجيش العراقي الذي يحتشد إلى الشرق من الزرقاء والمفرق والرمثا، وكانت القوة الأردنية تتألف من الفرقة الثالثة تحت التأسيس بقيادة الزعيم علاوي جراد، واللواء المدرع 99 تحت التأسيس بقيادة العقيد خالد هجهوج المجالي.
أما العاصمة عمان والتجمع الرئيس للفدائيين، فقد تكلفت به الفرقة الرابعة الآلية بقيادة الزعيم كاسب صفوق الجازي، واللواء المدرع 60 بقيادة العقيد صالح عليان أبو الفول، بالإضافة إلى كتيبتي صاعقة ولواء الأمن وكتيبة من لواء الحسين نقلت من المنطقة الشمالية. وقد كانت الفرقة الرابعة من الجيش الأردني تتألف من لوائي الحرس الملكي؛ اللواء الأول بقيادة المقدم جهاد عبد الحميد النعيمات واللواء الثاني بقيادة المقدم محمد علي حماد.
أما المنطقة الشمالية من الأردن التي تضم اربد وجرش وعجلون فقد كان الجيش الأردني المتواجد بها مكون من فرقة المشاة الثانية بقيادة الزعيم بهجت المحيسن، واللواء المدرع 40 بقيادة العقيد عطا الله غاصب، وخمسة كتائب مدفعية وقوة من سلاح الجو الملكي الأردني.
أما منطقة البلقاء والكرك فقد كانت القوات الأردنية المتواجدة بها تتكون من فرقة المشاة الأولى بقيادة العميد قاسم المعايطة، لواءان في البلقاء ولواء في الكرك.
أما قوات المنظمات الفدائية فقد كانت تتكون من 60 ألف رجل 30 ألفا من الفدائيين النظاميين المحترفين من المنظمات المسلحة وجيش التحرير الفلسطيني. و30 ألفا من الميليشيا أي المقاومة الشعبية. وقد كانوا يعتمدون على الدعم العراقي والدعم السوري ويتأملون بانضمام قسم كبير من الجيش الأردني إلى قواتهم بعد بدء القتال خاصة وان حوالي 50% من الجيش من أصل فلسطيني.
وقد أصبحت مدينة اربد في يوم 16 أيلول 1970 بيد الفدائيين وأعلنوها مدينة محررة، وأعلن ياسر عرفات في بيان له أن المنطقة الشمالية من الأردن ابتداء من مخيم البقعة إلى الحدود السورية أصبحت مناطق محررة تخضع لسيطرة الثوار، وعين ياسر عرفات حكاما إداريين لمحافظة اربد ولواء عجلون ولواء جرش.
كما سيطرت المنظمات على معظم مدينة الزرقاء، ولكن الزعيم محمد إدريس قائد مدرسة المدفعية تمكن من تشكيل قوة من التلاميذ العسكريين والمرشحين في الكلية العسكرية ومدرستي المدفعية والهندسة والإشارة بالإضافة إلى سرية من القوات الخاصة، وقام على الفور بالبدء بتطهير المدينة، وقد تمكن من السيطرة على معظم مدينة الزرقاء قبل أن يستنجد الفدائيون بكتيبتي جيش التحرير الفلسطيني الملحقتين بالقوات العراقية، وبقيت القوات النظامية تسيطر على معظم مدينة الزرقاء حتى وقف أطلاق النار في 25 أيلول 1970، وفي نهاية شهر أيلول تمكن الجيش العربي من إحكام الجيش سيطرته على مدينة الزرقاء.
أما في جنوبي الأردن فقد كان قد بدأ هجوم القوات النظامية على قواعد الفدائيين يوم 17 أيلول 1970 وخلال اقل من ثلاثة أيام أحكمت القوات الأردنية السيطرة على الموقف في محافظتي الكرك ومعان والسلط، أما الوضع في العاصمة عمان والزرقاء واربد فقد كان غاية في الصعوبة والتوتر لتركز معظم قوات الفدائيين فيها وفي مناطق آهلة بالسكان. فقد كان سكان عمان يزيدون عن 700 ألف نسمة.
تقدمت قوات الجيش الأردني نحو العاصمة عمان في ثلاثة ارتال رتل من الجنوب باتجاه مخيم الوحدات ورتل من الغرب باتجاه جبل عمان ورتل من الشمال باتجاه مخيم الحسين والشميساني واللويبدة. ولم يتمكن الجيش من تحقيق توغل في المدينة في اليوم الأول، حيث كان الجيش يطلق النيران في الفضاء في محاولة لتراجع الفدائيين عن المدينة. وكانت الخطة العسكرية أن يقوم الجيش بتطويق المدينة لمنع وصول الإمدادات للفدائيين خاصة الأسلحة والذخائر، ثم بدء التفاوض معهم لتطبيق اتفاق 10 تموز 1970.
وأمر الملك الحسين بناء على طلب بعض أعضاء الحكومة العسكرية الذين زاروا الحسين في قصره بمنطقة الحمر وقف التقدم حقنا للدماء، فأمر الملك بتراجع الجيش، ولكن الفدائيين اخذوا يتعقبون الجنود ويطلقون النار عليهم ويصيحون أن القوات العميلة انهزمت. وعندما عرف الملك بهذه الأعمال قرر إخراجهم من عمان بالقوة.
وقد ابرق الرؤساء جمال عبد الناصر وجعفر النميري ومعمر القذافي الى الحسين يوم 17 أيلول 1970 والى ياسر عرفات يطلبون وقف القتال. فيما اعلن الرئيس الجزائري هواري بو مدين في برقية أرسلها الى الحسين ان حكومة الجزائر تقف الى جانب المنظمات الفلسطينية. ووجهت اللجنة الخماسية العربية نداء الى الحكومة والفدائيين لوقف القتال، فيما أعلن رئيس الحكومة العسكرية ان الجيش لا يطلق النار ولديه الأوامر بعدم اطلاق النار الا ردا عل نار الفدائيين، وان دخول العاصمة حق دستوري لجيش البلاد، وطلب سحب العناصر المسلحة من المدن حقنا للدماء ولتحقيق السلامة للمواطنين.
وفي مساء يوم 17 ايلول وصل الى عمان موفد رؤساء مصر وليبيا والسودان الفريق محمد صادق رئيس اركان القوات المصرية المسلحة، فاجتمع مع الملك الحسين وقادة المنظمات في سبيل التوصل لوقف اطلاق النار. وبين الملك للفريق صادق خطورة الموقف وان كيان البلد مهدد بالانهيار والسلطة مشلولة تماما وان الجيش تمرد على أوامر قادته لإحساس الجنود بالاهانة، وأعلن الملك الحسين للفريق صادق انه فكر مليا في التخلي عن العرش للحيلولة دون تفاقم الأزمة.
وبينما كانت الحالة متأزمة والجيش يتقدم ببطء في عمان وإعلان عرفات ان شمال الأردن أصبح تحت سيطرة الثورة أرسلت سورية قوات جيش التحرير التي في سورية إلى منطقة شمال الأردن مدعومين بقوة عسكرية سورية مدرعة كبيرة ليلة 18 أيلول 1970 ، فاستولت القوات السورية على بلدتي الطرة والشجرة في أقصى شمالي الأردن وقد قاد الرئيس السوري نور الدين الاتاسي الهجوم من مقر قيادة متقدم في درعا في محاولة لتعزيز قوات الفدائيين في شمالي الاردن. وتقدمت القوات السورية باتجاه طريق عمان اربد ومثلث النعيمة وتوغلت 15 كيلو متر غربا الى ان وصلت الى اربد.
وفي تلك الإثناء كان اللواء العراقي المدرع 12 يتمركز في منطقة الرمثا ومثلث النعيمة ويتصل شرقا بلواء عراقي أخر يتمركز في المفرق. وقد طلب السوريون من القوات العراقية دعمهم للسيطرة على شمالي الأردن، الا ان القوات العراقية ترددت وأحجمت عن التدخل خوفا من تدخل أميركي او دولي يهدد حكم الرئيس احمد حسن البكر للخطر، وأخذت سورية تمد الفدائيين بالمعدات والأسلحة والتموين وتعزز موقفهم في الشمال.
وفي 19 أيلول 1970 تمكن الفدائيون والقوات السورية من السيطرة على منطقة اربد والطريق الرئيسي بين اربد والعاصمة عمان. بينما كانت القوات الأردنية في الشمال بمواجهة إسرائيل على نهر الأردن وفي مرتفعات اربد الغربية، وكانت القوات الأردنية تتوزع كما يلي في الشمال؛ فقد كان مقر الفرقة الثانية بقيادة العميد بهجت المحيسن قرب بلدة شطنا جنوبي اربد، وكان اللواء المدرع 40 بقيادة العقيد عطا الله غاصب قرب بلدة بيت رأس شمالي اربد، ويضم اللواء 80 دبابة و36 دبابة ملحقة بألوية المشاة، أما قيادة مدفعية الفرقة بقيادة المقدم مأمون خليل فتتكون من خمسة كتائب تتمركز قرب بلدة كفر اسد غربي اربد، ولواء اليرموك بقيادة العقيد خلف رافع في وادي العرب غربي اربد، ولواء الأمام علي بقيادة المقدم عودة الله سليمان في بلدة ام قيس شمال اربد، ولواء خالد بقيادة المقدم فخري العقرباوي قرب بلدة دير أبي سعيد غربي اربد، ولواء الحسين بقيادة العقيد سعد صايل قرب كفرنجة جنوب غربي اربد. فيما قامت قيادة الجيش الأردني قد نقلت ثلاث كتائب من الفرقة الثانية في اربد الى عمان مكونة من كتيبة آلية من اللواء 40 وكتيبة 14 من لواء الحسين وكتيبة طارق من لواء خالد وسرية هندسة من لواء خالد.
وكان قد حدث في 17 أيلول 1970 قبيل دخول القوات السورية شمالي الأردن ان قدم العميد بهجت المحيسن قائد الفرقة استقالته من قيادة الفرقة وغادر مقر القيادة الى عمان، فتم تعيين العقيد عطا لله غاصب قائدا للفرقة بالوكالة. وقد أصيب العقيد عطا لله غاصب بشظية قنبلة اطلقها الفدائيون على مقر قيادته فنقل الى مستشفى الميدان، كما أصيب العقيد خلف رافع بجراح، وقد صدرت الأوامر من عمان بنقل كتيبتين من اللواء المدرع 40 من شمال وغرب اربد إلى شرق اربد للحفاظ على طريق عمان اربد والمفرق اربد.
وقد اصدر ياسر عرفات بيانا قرر بموجبه تعيين احمد الهنداوي محافظا لمنطقة اربد وحسن خريس مساعدا له، وتعيين محمود الروسان عضو مجلس النواب الأردني حاكما عسكريا لمنطقة اربد من قبل الفدائيين، إلا أن احمد الهنداوي رفض التعيين، فيما أعلن محمود الروسان ان المنطقة أصبحت محررة.
وقد قام الحسين بعد التدخل السوري باستدعاء سفراء الدول الأربع الكبرى، وأرسل البرقيات للزعماء العرب وناشدهم التدخل لئلا تستغل إسرائيل الفرصة وتحتل شمال البلاد، فقامت بريطانيا والولايات المتحدة بالاتصال بالاتحاد السوفيتي للضغط على سورية لسحب قواتها، ووضعت الولايات المتحدة لواءا من قواتها في المانيا في حالة تأهب وعززت أسطولها في البحر المتوسط، واتصل وزير الخارجية الأميركي روجرز بالحكومة السورية محذرا من اتساع الحرب في حال عدم الانسحاب، وعزز الاتحاد السوفيتي أسطوله في البحر المتوسط.
وكان عرفات قبل الغزو السوري قد أرسل برقيات للزعماء العرب يستنجد بهم لما حل بقواته في عمان، فأرسلت مصر كتائب جيش التحرير الفلسطيني الثلاث الى سورية وأرسل الى الحسين وعرفات يناشدهم وقف إطلاق النار، وقد استجاب الملك لطلب الرئيس عبد الناصر فاصدر الحاكم العسكري العام أمرا في الساعة 6 من مساء 20 أيلول 1970 بوقف إطلاق النار.
وفي يوم 20 أيلول 1970 كانت دبابات اللواء السوري المدرع 88 تنتشر إلى الشرق من بلدة الرمثا في المواقع التي أخلاها العراقيون، ولحقت بها كتائب جيش التحرير الفلسطيني الثلاث التي كانت وصلت من مصر في صباح يوم 20 أيلول. وقد كانت القوات السورية تتألف من لواءين مدرعين ولواء آلي وأكثر من 200 دبابة، إلى جانب خمس كتائب من جيش التحرير الفلسطيني.
وقد حدث أن انحاز العقيد سعد صايل قائد لواء الحسين في الجيش الأردني لقوات الفدائيين والجيش السوري، وانحاز معه الرائد مطلق حمدان الحويطات قائد إحدى الكتائب وكذلك الرائد محمد جهاد وضابطان آخران كلهم انحازوا للقوات الغازية ومعهم قرابة 350 جنديا أردنيا، فيما كان زملائهم يتصدون للقوات الغازية.
بدأ القائد الأردني عطا لله غاصب بإصدار أوامره للتصدي للجيش السوري الغازي ، ولم تكن لديه الا قوة صغيرة من دبابات السنتوريون التي كانت تتميز بمدى ابعد من مدافع الدبابات السورية.
وقد خاضت القوات الأردنية يوم 20 أيلول معركة مع القوات السورية استمرت 6 ساعات إلى ان اضطرت القوات السورية للتراجع ، ثم حشد عطا اهلع غاصب قواته في وادي الشلالة ومشارف الحصن والنعيمة وشن هجوما معاكسا استخدم فيه قرابة 100 دبابة ، وقبيل المغرب تدخلت الطائرات الحربية الأردنية قادمة من قاعدة المفرق الا انه عند عودتها الى القاعدة تعرضت لاطلاق النار عليها من القوات العراقية فصدر الأمر بنقل الطائرات من المفرق الى الصفاوي .
وفي 26 أيلول اصدر العراق بيانا أعلن فيه مساعدة المنظمات بالسلاح والعتاد والمال الا ان العراق لن يخوض المعركة بديلا عنهم ، وقد كان الفريق حردان التكريتي يعارض دخول الجيش العراقي في الحرب ضد الأردن ، مما أدى الى إعفائه من منصبة كنائب للرئيس احمد حسن البكر بعد شهر واحد .
وفي 21 أيلول 1970 قامت طائرات الهوكرهنتر الأردنية بمهاجمة القوات السورية ، بينما لم يستخدم السوريون سلاحهم الجوي بسبب معارضة وزير الدفاع وقائد سلاح الجو الفريق حافظ الأسد لاستخدام السلاح الجوي السوري ، وتعرضت القوات السورية لهجوم مدفعي أردني مكثف ، إلى ان تمكنت القوات الأردنية من طرد القوات السورية وإخراجها من الأراضي الأردنية بعد بقاءها لمدة أربعة أيام ، وفي يوم 23 أيلول انسحبت القوات السورية تماما أمام ضربات الجيش والطيران الأردني . وقد كانت خسائر الجيش الأردني في دحره للقوات السورية 10 دبابات بينما خسر السوريون قرابة 120 دبابة و600 قتيل .
وبعد تراجع الجيش السوري عن الأردن في 23 أيلول عمدت المنظمات إلى اعتقال محافظ اربد احمد الهنداوي والذي كان أخوه هاجم الهنداوي قد انضم للفدائيين ، وقائد قوات الأمن العقيد إسعاف العزب ، ومدير مخابرات اربد ، وتم نقلهم الى دمشق ، ولم يطلق سراحهم الا بعد نحو شهر .
وللحديث بقية ......نواصل الحديث عن مجريات أحداث أيلول في الحلقة القادمة ...