سوار الذهب والعسكر في السودان
السفير الدكتور موفق العجلوني
01-05-2023 11:15 AM
وظيفة الجيوش في العالم المتحضر حماية الأوطان، حماية الحدود لا قيادة الشعوب ، بنادق الجيوش توجه للأعداء لا للأهل و الاحبة و زملاء السلاح . هل يعقل هذا السودان العريق سلة العالم العربي صاحب الخيرات و الثروات الدفينة من الذهب والمعادن و العديد العديد من الثروات الطبيعية التي انعم الله على عليه بها ، ان يصل بالسودان الشقيق الحال الى هذه الحالة من الاقتتال ، هل يعقل السودان صاحب الجنان المعلقة و الكنوز المكدسة و الأنهار المترامية و الخير العميم ان يصبح شعبه مشرد ، لا بل من افقر شعوب العالم ، من اجل ماذا ، من اجل ان يتقاتل العسكر القاتل و المقتول للنار ، ومن المفروض ان يكونوا حماة الوطن لا لصوص الوطن و ذئاب الديار .
فالجيش السوداني وقوات الدعم السريع هم أبناء السودان ليسوا مرتزقة او منظمات دخيلة، الوقائع تشير إلى اصرار كل منهما على إقصاء الطرف الآخر والاستئثار بالسلطة. كيف ينقسم الجيش على نفسه، كيف يطلق الجندي النار على شقيقه وزميله في السلاح، كيف تدجج الطائرات والدبابات والمدافع والأسلحة صوب صدور الاهل والاخوة وزملاء السلاح. الا يوجد عاقل مدني يدير البلاد والعباد، الا يوجد خليفة لسوار الذهب، يقول كفى كفى كفى ايه العسكر.
أيها العسكر لقد لطختم سمعة السودان بالدم، سودان العز سودان التاريخ سودان العروبة سودان الشجاعة، سودان الخير، لطختموه بالطين والوحل، لا بل بسفك الدماء، سفك دماء الاهل والأحبة، سفك دماء زملاء السلاح.
لا يهمني هذا الفريق من العسكر او ذلك، يهمني السودان، يهمني الشعب السوداني، يهمني العمق العربي الافريقي، يهمني سلة الوطن العربي الغذائية، يهمني هذا الدم السوداني الزكي الذي بكل الم يراق ليبعث البهجة والسرور في نفوس الاخرين أعداء السودان ... لكي يبقى السودان منهوباً للغرب و الشرق والشمال و الجنوب . ليبقى العوبة بيد الكبار، و نسي العسكر ان السودان كبير بأهله بخيراته بعلمائه برجاله بشبابه و نسائه و خيراته وارثه العريق .
هل يعقل ان العسكر حماة الوطن و الدفاع عن ارضه هم الجاثمين على رقاب الشعب السوداني ليتفردوا بالسلطة وينهبوا خيرات السودان لجيوبهم، و يفتحوا بوابة السودان على مصرعها ليخلوا للغرباء لتقسيم السودان غرباً و شرقاً كما قسمت جنوباً و شمالاً، هذا من جهة ، و من جهة اخرى ليبادلوا ذهب السودان و ثرواته وخيراته بالأسلحة ليقتلوا بها شعبهم .
الم يحن للعسكر ان يمتثلوا للسيرة العطرة للقائد السوداني البطل المشير سوار الذهب رحمه الله، ذاك الجندي السوداني العربي النبيل الشريف، والذي ترك الشعب لاختيار قيادته الوطنية المدنية الديمقراطية. الم يأخذ العسكر الدروس والعبر من سوار الذهب.
ماذا انجز العسكر الى السودان منذ ان استولوا على السلطة...!!!، اين اخذ العسكر السودان اليوم، كيف ينظر العالم للعسكر في السودان اليوم. هل حافظ العسكر على وحدة السودان، هل حافظ العسكر على الديمقراطية والتعددية في السودان، هل حافظ العسكر على البنية التحتية للسودان، هل أشادوا العسكر المستشفيات والمدارس والجامعات، هل تنفس السودانيون الصعداء تحت حكم العسكر. أسئلة كثيرة رماها العسكر خلف ظهورهم، وأصروا ان يحكموا السودان بالحديد والنار بناء على تعليمات اسيادهم وبتوجيه السلاح اولاً الى زملائهم من الطرفين والى أهلهم الأبرياء في السودان.
حان الوقت ان يعتذر العسكر الى السودانيين، حان الوقت الى يغادر العسكر الى ثكناتهم و ان يتقوا الله في حق بلادهم و شعبهم ، وان يتولى قيادة البلاد رجل سوداني وطني منتخب من الشعب ، و يسيروا على نهج سوار الذهب . فقد خطى رحمه الله في السودان خطوات اخذت السودان الى بر الأمان، الا أن العسكر بانقلاباتهم أخذوا السودان الى الدمار و تركوا الوحوش الغرباء عن السودان تنهشه و تنهب ذهبة و خيراته.
ماذا سيكتب عنكم التاريخ أيها العسكر، ماذا ستكتب عنكم شعوبكم العربية، ماذا سيسطر التاريخ عن جرائمكم وجرائم القيادات الدكتاتورية التي اخذت السودان الى الجحيم، الى الفقر الى المجاعة، الى التشرد، الى الاقتتال، الى الدمار.
كفوا أيها العسكر عن شعبكم السوداني الطيب، أخلوا الساحة الي من يقود السودان الى بر الأمان مثله مثل الشعوب المتحضرة بعيداً عن الدكتاتورية وحكم العسكر.
اتبعو خطى سوار الذهب وسيروا على نهجة، والا إذا استمريتم بهذا النهج، سيلعنكم التاريخ، وستنعلكم الاجيال القدمة. فالسودان بلد الخيرات وبلد الرجال يستحق كل الخير ويستحق العيش كبقية الشعوب المتحضرة في هذا العالم.
للسودان تجربة فريدة مع المشير سوار الذهب رحمه الله الذي سلّم السلطة طوعا للمدنيين بعد انتفاضة عام 1985، في نموذج قلّما شاهدناه في دول العالم.
هل يسلم العسكر مقاليد السلطة لحكومة منتخبة وينسحبوا من الساحة لحماية الحدود و يتركوا مقاليد الامور لحكومة منتخبة مدنية لإعادة اعمار ما دمره العسكر.
أثبت المشير عبد الرحمن سوار الذهب، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ووزير الدفاع السوداني، صدق التزامه بكلمته، وقام بالفعل بحل المجلس العسكري الانتقالي والحكومة الانتقالية عند نهاية الفترة الانتقالية، وقد سأله أحد الصحفيين يوما: هل التزمت بوعدك للسودان وأهله؟ فرد قائلا: "أضفتُ فوق تلك المدة عشرين يوما فقط حتى تكتمل الانتخابات الديمقراطية، وقد اكتملت، فسلّمتُ مقاليد السلطة للحكومة المنتخبة الجديدة لرئيس وزرائها الصادق المهدي ثم انسحبتُ".
كان انسحاب سوار الذهب من رأس السلطة، كرئيس للسودان ووزير للدفاع، ذلك الرجل الذي ملك في يديه كل شيء في تلك الأشهر العصيبة بُعيد ثورة 1985، حيث الأموال والنفوذ والعلاقات الممتازة بدول الخليج وليبيا ومصر، أمرا محيّرا للغاية، فقد كان بمقدوره أن يستمر على رأس السلطة ويجد مؤيدين له من الداخل والخارج، أو أن يزيد في الفترة الانتقالية لتستمر أعواما بحجة عدم استقرار الأوضاع وسيكون معه كل الحق في ذلك، لا سيما مع الأزمة التي استفحلت في جنوب السودان، لكن الرجل آثر الالتزام بكلمته، والانسحاب من المشهد السياسي في نادرة أخلاقية قلما رأيناها في تاريخ الانقلابات العسكرية في دول العالم في القرن العشرين.
ونتيجة لمشاركاته ونشاطه في مجال العمل الخيري والدعوي فقد مُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في العام 2004م، وفي الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2018م، توفي الرئيس والمشير عبد الرحمن سوار الذهب عن عمر ناهز الثالثة والثمانين من عمره، موصيا أن يكون مثواه الأخيرة في المدينة النبوية في مقبرة البقيع، وقد تحققت وصيته، تاركا من خلفه نموذجا فذا ونادرا في المسألة السياسية والعسكرية في تاريخ العرب المعاصر!
و السؤال الذي اطرحه على العسكر: ماذا سيكتب عنكم السودانيون، ماذا سيكتب عنكم التاريخ ...و بعد عمر طويل او قصير اين ستدفنون ....!!!
رحم الله سوار الذهب وكل الذين قضوا ظلماً على يد العسكر، وندعوا الله ان يحسبهم شهداء من عنده. أما قتلة الشعب فالله عز وجل كفيل بهم.
* مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me