المياه في محور التحول الطاقي
م. حمزة العلياني الحجايا
30-04-2023 01:07 AM
يرتبط قطاع المياه وتغير المناخ ارتباطًا وثيقًا، حيث يؤثر تغير المناخ على مياه العالم بطرق معقدة، من أنماط هطل الأمطار غير المتوقعة إلى انكماش الصفائح الجليدية، وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات والجفاف، وسيؤدي تغير المناخ والنمو السكاني الى زيادة شُحّ المياه والضغط على الإمدادات الغذائية، حيث تمثل المياه العذبة الصالحة للاستخدام والمتاحة 0.5 في المائة فقط من المياه الموجودة على الأرض، ويستهلك منها قطاع الزراعة حوالي 70 في المائة، وكذلك تقدر منظمة الفاو، أن إنتاج الغذاء اليومي للشخص يتطلب ما بين 2000 و 5000 لتر من المياه.
الأردن يصنف ضمن أكثر الدول فقراً بالمياه عالميا، حيث تبلغ حصة الفرد إلى ما دون 100 م3 في السنة، وهي أقل بكثير عن الخط العالمي للفقر المطلق لشح المياه البالغ 500 م3 في السنة، بالإضافة إلى افتقاره لموارد الطاقة خاصة النفط ما شكل عبئا كبيرا على خزينة الدولة نتيجة للاعتماد على الطاقة المستوردة التي تشكل 92 % في ظل التحديات وتراجع المصادر المائية نتيجة ارتفاع الطلب والهجرات المختلفة التي تحملها الأردن نتيجة الصراعات في المنطقة وتغيب أنماط الاستهلاك والكفاءة، إضافة إلى التغيرات المناخية.
يأتي قطاع ضخ المياه والقطاع الزراعي بالمرتبة الثالثة في استهلاك الطاقة الكهربائية، وبنسبة تتجاوز 15 بالمائة من إجمالي الطلب على الطاقة الكهربائية في الأردن، فالمتر المكعب الواحد من المياه يقطع نحو 300 كيلومتر للوصول للمستهلك ويحتاج الى 6.6 كيلو واط ساعة من الكهرباء. وقد بلغت كلف الطاقة المترتبة على ضخ المياه ما قيمته 220 مليون دينار في العام 2018 وشكلت 60 % من الميزانية التشغيلية.
وتسعى الحكومات المتعاقبة لخفض استهلاك الطاقة لقطاع المياه، وذلك عبر إجراءات رفع الكفاءة والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة، إضافة للتقليل من كمية المياه المهدورة التي تتجاوز 25 مليون م3 المستخدمة في إنتاج كميات الغذاء المهدورة، والتي تبلغ ايضا نحو المليون طن سنويا. وهذا يبين مدى ارتباط الأمن المائي بأمن الطاقة والأمن الغذائي كمحفز لصنع السياسات والتعاون، بالإضافة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في رفع الكفاءة والتكامل بين القطاعات المختلفة.
الأردن استطاع تحقيق نجاحات في مجال تنويع مصادر الطاقة، حيث بلغت أنظمة الطاقة المتجددة المربوطة على شبكتي النقل والتوزيع حوالي 2270 ميجاواط مقارنة بحوالي 4000 ميجاواط من الطاقة التقليدية، وتشكل 25 بالمائة من خليط الطاقة المولدة وأكثر من نصف استطاعة الطاقة التقليدية.
تمتلك منطقة الشرق الأوسط 29 جيجاوات من طاقة التوليد المتجددة، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهي حصة عالمية تبلغ واحدا في المائة فقط. لكن الشرق الأوسط سجل أعلى توسع له على الإطلاق العام الماضي، حيث تم تشغيل 3.2 جيجاوات من السعة الجديدة خلال عام 2022 بزيادة سنوية قدرها 12.8 %، أسرع من أي منطقة أخرى.
ويبرز زخم دولي وعربي غير مسبوق للتحول إلى مصادر جديدة ومتجددة لتوفير الطاقة، ويأتي ذلك بالتوازي مع التراجع عن الاعتماد على الوقود الأحفوري حفاظًا على البيئة والالتزام بالحياد الكربوني، خصوصا التوجه لاستخدام الهيدروجين الأخضر الذي يعتمد على الرياح والطاقة الشمسية، وذلك لتزويد المحلّلات الكهربائية بالطاقة الكهربائية لفصل عناصر الماء إلى الهيدروجين والأوكسجين.
المشكلة الأساسية للهيدروجين الأخضر هو في استخدام المياه العذبة لإنتاجه، إذ يستهلك المحلل الكهربي بسعة 100 ميغاواط حوالي 500 طن من الماء يوميًا وينتج حوالي 50 طنًا من الهيدروجين، وهو حوالي ستة حمامات سباحة بحجم أولمبي من المياه المستخدمة كل شهر، وإذا كان النظام مبردًا بالماء، فإنه يتطلب ضعف كمية الماء على الأقل. فتوافر المياه يمكن أن تؤدي الفوائد الاقتصادية المحتملة أيضًا إلى تسريع تمويل المشاريع.
وبالتالي يجب أن تكون إمدادات المياه البديلة من خلال استصلاح مياه الصرف الصحي وتحلية المياه، في طليعة إستراتيجيات المرافق (ومطور الطاقة). حيث يمكن أن تؤدي إعادة استخدام المياه من خلال إستراتيجية مبنية على الطاقة النظيفة إلى سد الفجوة بين المنتجين والمستهلكين (الطاقة، الصناعة، والزراعة، والبلديات). كذلك تمثّل تحلية المياه بالطاقة الشمسية بصيصًا من
الأمل للأردن في مواجهة شح المياه الذي تعانيه، لا سيما مع إمكاناتها من الموارد الشمسية الهائلة التي يمكنها الاستعانة بها للتوسع في هذا المجال.
الغد