عمون - مقدار المبيت في منى
يُنصح للحاج أن يخرج من مكة إلى منى في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو يوم التروية، بعد طلوع الشمس في ذلك اليوم. في منى، يقوم الحاج بأداء الصلوات الخمس ويبيت فيها في ليلة التروية، وهذا هو السنة المؤكدة باتفاق الفقهاء.

تختلف آراء الفقهاء بشأن مسألة المبيت في منى خلال أيام التشريق، وفيما يلي بيان ببعض آراءهم:

الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون وجوب المبيت في منى ليلتي التشريق، وهما الليلة الحادية عشرة والليلة الثانية عشرة من ذي الحجة. وفي حال ترك المبيت، يجب على الحاج دفع الفدية، ولكن الأشخاص المعذورين مثل الرعاة وأهل السقاية لا يجب عليهم المبيت في منى، وذلك بناءً على رخصة من النبي محمد -عليه السلام- للعباس -رضي الله عنه-.

عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- روى أن العباس بن عبد المطلب استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت في مكة ليالي منى بسبب سقاية الحجاج، فأذن له بذلك. وهذا يعتبر دليلًا على وجوب المبيت في منى، وأنه لا يجوز ترك المبيت بدون عذر.

الحنفية يرون أنه من السنة أن يبيت الحاج في منى ليلتي الحادية عشرة والثانية عشرة من ذي الحجة، وإذا ترك المبيت فلا تترتب عليه فدية. وإذا أقام في منى لأجل أداء رمي الجمرات، فإنه قد أدى الأفضل.

حكم ترك المبيت بمنى
ترك المبيت بمنى بدون عذر وفقًا لجمهور الفقهاء يعتبر مخالفة شرعية ويترتب عليه عقوبة. حسب المالكية، يكون الدم (القتل) هو العقوبة المترتبة على ترك المبيت في منى ليلة واحدة فأكثر. أما الشافعية والحنابلة، فيعتبر ترك ليلة واحدة يستدعي إخراج "مد" من الطعام كفدية، وترك ليلتين يترتب عليه إخراج "مدَّان" من الطعام.

من الشروط للمبيت في منى هو أن يكون الحاج قد أحرم، فلا يجوز المبيت في منى بدون أحرام؛ لأن الإحرام هو أساس الحج ومرتكز جميع أعمال الحج. كما لا يجوز المبيت في غير الوقت المحدد الذي نص عليه الشرع، وهو ليالي أيام التشريق الثلاثة للتأخر، والليلتين الأولى والثانية للتعجيل. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون المبيت في حدود منى المحددة لها.

يتحقق المبيت بمجرد مكوث الحاج في منى لأكثر من نصف الليلة، فإذا مكث في منى لفترة تزيد على نصف الليلة، فقد أدى ركن المبيت. يُستحب للحاج أيام المبيت بمنى أن يكثر من الذكر في تلك الأيام.

يجوز للحاج التعجل في اليوم الثاني من أيام الرمي، حيث يكون المبيت مترتبًا عليه في الليلة الثالثة عشرة من ذي الحجة ورمي الجمرات في هذا اليوم. ومع ذلك، يعتبر التأخر والمبيت في منى ليلة الثالثة عشرة ورمي الجمرات في هذا اليوم هو الأفضل والأجر الأعظم. فالتعجيل رخصة لمن لديه عذر.

أحكام متعددة للمبيت في منى
تخضع أحكام المبيت في منى لظروف وأعذار مختلفة. إذا تعذر على الحاج المبيت في منى بسبب عذر، فإن واجب المبيت فيها يسقط عنه ويجوز له المبيت خارج منى. يستند هذا إلى قول الله تعالى في القرآن الكريم: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (سورة التغابن، الآية 16). كما روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- استأذن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالمبيت في مكة ليالي منى بسبب سقاية الحجاج، وأذن له بذلك.

إذا كان الحاج عاجزًا عن إيجاد مكان للمبيت في منى، فإن الواجب يسقط عنه، ولكنه مطالب بإخراج بدل، وهو فدية يُذبح بدل المبيت ويُوزع على الفقراء في مكة المكرمة. هذا هو رأي المالكية، في حين يرون الجمهورية من الشافعية والحنفية والحنابلة أنه لا يجب على أصحاب الأعذار مثل أهل السقاية والرعاة والمرضى القيام بالمبيت في منى، وليس عليهم ذنب.

بالنسبة للحاج الذي يخرج من منى نهارًا ويبيت فيها ليلاً، يتحقق واجب المبيت في منى عندما يبيت فيها ليلاً. ولا يوجد حرج عليه إذا ذهب خارج منى خلال النهار إلى سكنه، طالما أنه يعود إلى منى ويبيت فيها ليلاً. والأفضل هو بقاء الحاج في منى على مدار الليل والنهار، اقتداءً بفعل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ورغبة في نيل ثواب الله ورضاه.