الأدب السياسي الساخر (الأردن أنموذجا)
د.حنين عبيدات
27-04-2023 01:12 PM
يقول الكاتب المصري الساخر جلال عامر :
تناقشني و أناقشك .
تجادلني و أجادلك .
وتحاورني و أحاورك .
لكن تختلف معي (أدبحك) .
جلال عامر وظف الأدب السياسي الساخر لإيصال الفكرة.
الأدب السياسي الساخر : هو أسلوب تعبيري عن فكرة أو موقف أو حدث بطريقة غير مباشرة و غير انشائية و لا يحمل فلسفة الكلمات و لا خيال المؤرخين و الكتاب، بل هو صناعة واقع حياتي يحمل في طياته السياسة و المجتمع و الثقافة و تراكم خبرات و تجارب في كيفية النظر للشيء بواقعية و حقيقة ، و يعتبر كل تفصيل فيه مهم لأنه يصنع مباينة حقيقية للواقع و اختلاف في طريقة عرض المشكلة أو الفكرة أو الحدث ، فهو يحمل المعاني التي توصف الحالة أو توصل الفكرة بشكل يستسيغها المتلقي و يتقبلها ، و بنفس الوقت ترمي إلى ما يريد و ما يفكر بطريقة غير مباشرة أو طريقة فكاهية أو استهزائية بتفاصيل الواقع و عناصره و ما يتبعه ، إن كان سياسيا أو ثقافيا أو ما تصنعه السياسة و تلحق به المجتمعات تلقائيا.
وتاريخيا للأدب السياسي الساخر أدوات عديدة، منها كتابة الروايات ، و المقالات و الشعر ، أو التعبير عن طريق أفلام السينما ، و التلفزيون ، و عرض المسرحيات و الفن التشكيلي و الكاريكاتير ، و الآن بعد ثورة التكنولوجيا أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي وسيلة هامة للتعبير عن ما يجول في خاطر المواطن العربي بطريقة غير مباشرة أو بطريقة السخرية السياسية المضحكة.
وللأدب السياسي الساخر في بلادنا العربية وقع كبير وخصوصا في الأوقات التي تشتد فيها على الشعوب وتزداد الفجوة السياسية بينها وبين السلطة ، فيصبح الأدب السياسي أداة هامة لإيصال الفكرة أو التعبير عن ردة فعل عن حدث ما .
إن الوطن العربي مليء بالأحداث التي أجبرت الكتابة بأن تكون جزءا من الأدب السياسي الساخر ، فهناك روائيين عرب كتبوا في هذا النوع من الأدب، مثل الكاتب المصري جلال عامر ، وكان للأديب السوري محمد الماغوط تاريخا مهما في ترسيخ الأدب السياسي الساخر من خلال المسرحيات التي كتبها وعرضها برفقة الممثلين نهاد قلعي ودريد لحام، فكان لهذه المسرحيات نهضة كبيرة في الأدب السياسي الساخر ، كمسرحية ، كاسك يا وطن ، غربة ، ضيعة تشرين ، وشقائق النعمان .
وقد كان للأدب السياسي الساخر مكان في الشعر، فقد كتب الشاعر المصري الشيخ إمام أشعارا كثيرة فيها سخرية من هزيمة حرب (1967) في فترة حكم الرئيس المصري أنور السادات حتى تم اعتقاله، وكتب شاعر المنفى العراقي أحمد مطر أشعارا كثيرة مباشرة وأخرى فيها سخرية من الواقع السياسي العربي حتى نفته السلطات العربية إلى لندن، وكان المسلسل السوري (مرايا) والذي من بطولة ياسر العظمة قد جسد في مراياه بعضا من الواقع السياسي بطريقة ساخرة تقبلها الجميع ورسخت في أذهانهم، حتى أن بعض المرايا قد عرضت و كأنها تحاكي الواقع السياسي والمجتمعي الحالي وكأن الأزمان متشابهة في الحالة السياسية وإن اختلفت الطرق.
أما الأردن، فقد تمثل الأدب السياسي الساخر في مواطن عدة ، منها الروايات والمقالات والفن التشكيلي والكاريكاتير و المسرحيات ، و مواقع التواصل الإجتماعي حاليا تعد جزءا هاما للتعبير بسخرية عن أي حدث أو في إيصال فكرة .
فكان للأدب السياسي الساخر وقع هام في تجسيد الواقع السياسي من خلال المسرح ، كمسرحية (أهلا حكومة) من بطولة الفنان هشام يانس والفنان نبيل صوالحة والفنانة أمل الدباس ، ومسرحيات الفنان موسى حجازين (الآن فهمتكم ، هاي مواطن) .
وللأدب السياسي الساخر دور في بعض أشعار الشاعر المتمرد مصطفى وهبي التل (عرار) ، وكان مؤنس الرزاز يتفنن في تجسيد الواقع من خلال كتابة الروايات والمقالات التي لها طابع الكوميديا السوداء الساخرة ، فكتب رواية (قبعتان و رأس واحد) التي تجسد الصراعات السياسية في الأوطان .
وكان الرسم الكاريكاتيري أداة هامة للأدب السياسي الساخر في الأردن كشخصية أبو محجوب التي رسمها الفنان عماد حجاج وجسدها برسوم متحركة وعرضها على شاشات التلفاز ونشرت في الصحف والمجلات، حتى رسخت في أذهان الأردنيين .
ومن أوائل الكتاب الساخرين في الأردن هو الكاتب محمد طملية وقد توفي في عام (2008) فقد كانت له زاوية خاصة للكتابة الساخرة في جريدة الدستور، إذ قال في إحدى زواياه: (لو أتيح لك مستقبلا أن تجيء الى العالم مرة اخرى، هل ستسلك الطريق ذاته الوعرة؟،
- بالطبع لا ، سأسلك طريقا أكثر وعورة، الحافة تعجبني ،المطبات، الحفريات ، شواخص التحذير على الطرق، الشوارع الترابية التي لم يعبث بها مهندسو وزارة الاشغال الحمقى، البيوت الطينية واطئة السقوف التي لم يتدخل بها معماريون) .
وكان الكاتب الساخر يوسف غيشان قد كتب كتابا بعنوان (لماذا تركت الحمار وحيدا) والذي يحوي حكايات ساخرة عديدة عن الواقع المجتمعي والسياسي الأردني .
ومن الكتاب الساخرين الموجودين الآن على الساحة الأردنية هو الكاتب الصحفي أحمد حسن الزعبي والكاتب الساخر وليد عليمات وغيرهما .
منذ ظهور وسائل التواصل الإجتماعي في العالم وفي الأردن تحديدا، أعطت الحق للمواطن في التعبير عن ما يجول في عقله من مشاكل وهموم والتعبير عن رأي أو إيصال فكرة أو ردة فعل على حدث ما، وأداة لإيصال رسالة سياسية ومجتمعية لصناع القرار .
فقد حدثت أحداث كثيرة سياسية وثقافية ومجتمعية في الأردن، فكان لوسائل التواصل الإجتماعي دور في التعبير بسخرية عن هذه الأحداث احتجاجا عليها وعلى تفاصيلها و القائمين عليها ، ومن هذه الأحداث :
في فترة أزمة فيروس كورونا، إحدى الوزراء المكرمين قال الجملة التالية ( بنشف لحاله وبموت) فعلقت في أذهان الأردنيين ومازالوا يرددوها بسخرية على أي حدث أو موقف.
وتعليقا على حديث لمعالي الوزير السابق ممدوح العبادي عن حق أزواج بناته في أن يصبحوا وزراء، محتجا على تعيين إحدى الوزراء في حكومة دولة عمر الرزاز بقوله: "مبارح جبتوا وزراء من الشارع بلا تاريخ) ، ومازال الأردنيين يستذكرون هذا الحدث ويرددوه وقتما كانت هناك مناسبة.
ويبقى الأردنيون يعلقون بسخرية على أي حدث اجتماعي أو سياسي وذلك احتجاجا على الواقع الذي صنع فجوات بين صناع القرار والشعب، وكأن هذا الأسلوب بات نهجا احتجاجيا يعبر عن عدم قناعة المواطن بما تفعله بعض الحكومات وبعض المسؤولين ،على أي مستوى ومجال كان.
ويبقى الأدب السياسي الساخر طريقة تخاطب الواقع وتواكب الأحداث بطريقة لغوية بسيطة وسهلة مفهومة لكل المواطنين وقادرة على إيصال الفكرة بطريقة هادفة، و كنوع من الإحتجاج على واقع غير مرضي إلى حد ما.