لا الدائن مرتاح، ولا المدين مرتاح، وبينهما أوامر الدفاع التي حاولت الفصل بين الطرفين، غير ان هذا الفصل بات اكثر تعقيدا بسبب جدولة هذه الازمة التي تعاظمت حتى هذه الأيام.
يخرج وزير العدل ويقول إن عدد المدينين في جميع دوائر التنفيذ 158 ألفا، 68% منهم يقل دينهم عن 5 آلاف دينار و87% أقل من 20 ألفا، فيما يخرج مقابله مدير مراكز الإصلاح والتأهيل ويقول إن نسبة النزلاء في مراكز الإصلاح وصلت إلى 163%، والخلاصة اذا قمنا بالتجسير بين التصريحين، ان لا أماكن لسجن المطلوبين على قضايا مالية، صغرت ام كبرت، لان السجون تفيض بمن فيها، في ظل تراجعات اقتصادية ترشح اعداداً جديدة للانضمام الى سجلات المطلوبين والمتعثرين والملاحقين قضائيا في البلاد.
ذات مرة كتبت في مقالة سابقة، ان المطلوبين قضائيا على خلفية قضايا مالية، لو قرروا ضمن حملة شعبية التجمع معا في يوم واحد، وتسليم انفسهم، لتم التوسل اليهم، الا يتم تسليم انفسهم، فلا اماكن لهم في السجون، وهذا يعني بشكل مباشر، ان الدولة امام خيارات صعبة اليوم، فهي غير قادرة على مواصلة تنفيذ الاجراءات القضائية بحق كل مدين، وغير قادرة على مواصلة تقديم التسهيلات للمدينين، وغير قادرة على تجاوز حقوق الناس، الذين يطالبون بحقوقهم.
هذه العاصفة من الجدل، اطلت على عمان، يوم امس، بمناسبة قرب انتهاء امر الدفاع 28 الذي كان اساسا يمنع السجن على القضايا دون مائة الف دينار، وتم تعديله الى منع السجن على القضايا دون العشرين الف دينار، حتى نهاية نيسان الحالي، وكما اشار وزير العدل فإن 87% من المطلوبين قضائيا تتم ملاحقتهم على قضايا قيمتها أقل من 20 ألفا، وهذا يعني بشكل مباشر، ان 137 الف شخص مطلوبين ولا بد من توفير اماكن لهم في السجون في حال تم القاء القبض عليهم، اذا الغي امر الدفاع كليا خلال اليومين المقبلين، بما يفرض تصورا مختلفا، على ما يبدو، لا احد يعرف حتى الان طبيعته.
هناك من يقول ان الحكومة قد تلجأ الى حل وسط، اي استمرار امر الدفاع 28 لكن مع خفض سقف الرقم الذي يتم السجن عليه، اي خفضه الى عشرة الاف وما دون، او اي رقم آخر، في سياق التدرج في حل المشكلة، اذ يستحيل على ما يبدو ان تلغي الحكومة كل امر الدفاع 28 مرة واحدة، لانها ستجد نفسها امام ملف كبير من الملاحقين، الذين لا اماكن لهم في السجون.
نحن نتحدث عن ارقام، مؤهلة اساسا للتصاعد، خصوصا، ان هناك قضايا امام المحاكم لم يتم الحكم فيها بعد، وهذا يعني ان المشكلة تعقدت بشكل واضح، بسبب التراجعات الاقتصادية.
لا احد يعرف حصرا ما الذي ستفعله الحكومة التي تواجه هذه الازمة، وهي ازمة بدأت منذ جائحة كورونا، بسبب الوضع الاقتصادي، والمخاوف من تجمع النزلاء في السجون، والتسبب بنشر العدوى، لكن هذا الملف، بات يضغط اكثر على خاصرة المؤسسة الرسمية، خصوصا، ان الدائنين لديهم حقوقهم ايضا، التي يطالبون بها، ولا يقبلون كل هذه التسهيلات التي يتم منحها للمدينين، والتي لم تؤد على ما يبدو الى بحثهم عن تسويات او حلول وسط مع الدائنين.
جذر الازمة اساسه في الملف الاقتصادي، ومشكلة الديون تعبير عن هذا الملف، دون ان ننسى هنا، ان هناك حالات ليست قليلة لا تعبر عن تعثر مالي، بل عن عمليات احتيال.
ازمة الديون تمت جدولتها، لكن استحقاقها لا يمكن الا التعامل معه نهاية المطاف.
(الغد)