يستعد سكان كوكبنا للاحتفال بنهاية السنة العاشرة واستقبال الحادية عشرة بعد الألفين . والكل يأمل في ان يكون قادم الأيام أفضل من سالفها على الصعيدين العام والخاص. وإذا أنعمنا النظر ، نرى أن الأمنيات تتكرر . فالأكثرية تطلب الأمن والسلام والصحة والعافية والخروج من الضائقة الاقتصادية. والأقلية تنظر لأرصدتها البنكية المتخمة آملة في مزيد من تكديس الثروة تشبهاً بجهنم التي تطلب المزيد ولا تشبع أبداً. إنها معادلة مختلة لا ينفع معها مسك العصا من الوسط. حالة صراع وشقاق ودم مراق. وهذه سنة الحياة ، خير يطارد الشّر وشًر يطارد الخير . وما الدعوة لتفاهم الحضارات وتلاقي الأديان ونبذ الإثنيات سوى دقائق هدنة ، يلتقط فيها الضعيف أنفاسه ليلعب دور القوي ويراكم القوي مزيداً من القوة.
ونحن في المنطقة العربية ابتلينا باستعمار استيطاني إحلالي، مدعوم من أعتى قوة شهدها التاريخ ، يزحفون نحونا ويحققون النصر تلو النصر . فبعد أن كانت فلسطين قبل ستون عاماً عربية اليد واللسان ، ها هي وبرضى منا تلثغ بالعبرية ، ونطالب بثلثها دون طائل .
وهاهم المحتلون يدوسون بأقدامهم أرض العرب ويحظون بالاستقبال وإن على مضض. وهاهي داحس والغبراء تطل برأسها في غزة والضفة الغربية ، في السودان جنوبه وشرقه، في العراق سنة وكرد وكلدان وشيعة ، وفي اليمن وحدويون وانفصاليون ، وفي مصر وطني ودستوري ولا دستوري ، وفي المغرب العربي تمزيق وتفريق متواصل . ولا يبدو أن بلداً عربياً واحداً قادر على رتق ثقوبه منفرداً . العالم يتجه نحو الوحدة ونحن ننحدر نحو مزيد من الفرقة . العالم يسعى نحو ردم الهوة بين الإثنيات ونحن نصيح بأعلى الصوت للوحدة الوطنية التي تعيش حالة يتم بعد أن خطفتها العشائرية ورأس المال . بلدان تبنى على براميل من البارود . مجنون واحد في كل بلد قادر على إشعال حريق . و"كأننا يا أبا زيد ما غزينا " .
خمسون عاماً من الاسقلال ولم تتوقف التجزئة . خمسون عاماً من البناء وجيوب الفقر تلاحقنا . خمسون عاماً من التعليم والأمية بكل أنواعها تنهشنا . وماذا بعد ؟
أتمنى أن نبدأ عاماً جيداً بكثير من العمل وقليل من الكلام . أتمني أن لا نسمع كلما دق الكوز في الجرة ، معزوفة الوحدة الوطنية وشتى الأصوال والمنابت وكأن أصولنا أكثر تنوعاً مما هي عليه في أمريكا وأستراليا وكندا. وأتمنى أن يبتلع البحر سلطنة الموز في غزة ودوقية الضفة الغربية . وأتمنى موت دمى اليمقراطية وأصحاب الكروش الفارغة . وأتمنى أن نصحوا من عالم الشعوذة الأمريكي وأن نميز بين المفاوضات المباشرة وغير المباسرة وأخرها المتوازية والتي قد يتلوها مفاوضات متناثرة . أتمنى أن تصحوا ضمائر التجار ويلتفتوا لعمل الخير وأن يصدقوا ولو لمرة واحدة " ما نقص مال فيه صدقة " . ولا أريد أن أكثر من الأمنيات ، لأن العام الثاني عشر بعد الألفين في طريقه إلينا وأريد أن أدخر بعض الأمنيات للعام الجديد وكل عام والإنسان الخًير بخير .