حينما نمضي في ركب الحياة وأحداثها تتجدد داخلنا صور الخير والعطاء لهذا الوطن الكبير ونشعر للحظات من التأمل، إننا مدعوون بعمق إلى أن نمد لهذا الوطن الغالي على نفوسنا جميعا أيادي الولاء الصادقة ومشاعر الانتماء، لنتوقف للحظات تواجه ذاتها في الصدق..
وعندما نحاول في صفاء أن نتأمل المسافات الزمنية التي تفصلنا بين ماض ما زال يشدنا وبين حاضر مازال يدفعنا وبين مستقبل نستشرق من خلاله آمالنا في الغد القادم.
لكي نرسخ الأقوال بالحديث عن أمجاد هذا الوطن والسعي إلى تحقيق تطوره والإسهام الفاعل من كل شخص بحسب استطاعته في رفع شأنه فكريا وأدبيا وماديا، وعندما تتحقق هذه الأمور في الفرد يتشكل لنا بالتالي أنموذجا مضيئا بكل معاني المواطنة الصالحة في أسلوب التعامل والتصرف والاهتمام، وعندما ندرك ذلك فإنه يتضح لنا بأن المواطنة لا تتحقق بمجرد الحصول على البطاقة المدنية؛ لأن فارقا كبيرا لا يزال موجودا بين روح الولاء وصدق الانتماء لهذا الوطن والإحساس بحب الوطن في عمق الضمير وبين المواطنة بالبطاقة المدنية والأوراق الرسمية فقط.
لا زلت أستذكر تلك اللحظة التي غادرت فيها أرض الوطن، اللحظة التي كنت فيها سعيداً ربما للانتقال لحياة جديدة بعيدا عن المشاكل التي كنا نعاني منها إلا أن البعد عن الوطن كان وجعا يرهق كاهلي ليلا، ليالٍ كانت كالجحيم لا تعرف فيها معنا النوم الذي اعتدنا أن نتذوقه بالماضي رغم ضعف الواقع المعيشي الا ان الراحة داخل الوطن ربما لها لذة لا يعرفها الا من تغرب عن الوطن، التي أصبحت حينها أحن لأدق تفاصيل قريتي الصغيرة "أدر".
اليوم استذكر ذلك الموقف مع عائلة عزيزة والذي كانت تتحدث تفاصيلها وتؤكد ما كنت اعاني منه من الشوق للوطن وانتظار أن تكتمل فرحتها بالعودة للوطن، الحنين للوطن قاتل رغم ما نعانيه، الا أن الوطن يبقى كحضن الام الدافئ الذي يقدم لابناءه دون أن ينتظر أي مردود، الوطن يبقى وطنا مهما كانت الحياة داخله صعبة، الوطن سيبقى النسيج الذي نحتمي به مهما انهشته يد الفاسدين، رغم ذلك سيبقى الوطن الذي نباهي فيه العالم بأكملها.
بعيدا عن الوضع المادي الذي نعاني منه جميعا، لكن عليك أن لا تتحدث عن المعاناة دون أن تخوض تجربة الغربة، وتجربة المعاملة السيئة التي كنا نواجهها داخل بلاد الغربة رغم أن المواطن الأردني من أفضل وأرقى الجنسيات تعاملا مع الآخرين، المواطن الأردني الذي كان دائما خير السفير للأردن داخلها وخارجها، رغم ذلك كان يواجهه العنصرية ضده..
وطني ستبقى الحضن الدافئ الذي أشم فيه رائحة أمي وأشعر به بأمان أبي.