السيناريو الذي يواجهه السودان اليوم هو تقسيم المقسم، إذ بعد فصل جنوب السودان، يتجه هذا البلد العربي اليوم، إلى التقسيم مجددا، والحرب الاهلية، بعد ان بلغ كل الفرقاء نقطة اللاعودة.
في عام 2010، وفي حفل تكريمه، بعد تقاعده، وقف مائير داغان رئيس الموساد الاسبق، وتفاخر بكون انقسام السودان، وفصل جنوبه تم بجهود إسرائيلية متواصلة منذ عام 1956، والهدف النهائي الوصول إلى مصر المصنفة عدواً استراتيجياً في التصنيفات الإسرائيلية.
ذهنية المؤامرة يرفضها البعض، لكن هذا هو الواقع، إذ إن مصر بكل ما تعنيه مستهدفة، وكل الكيانات العربية الكبرى مستهدفة، وسوف يأتيها الدور، واضعاف خواصر مصر، بدأ مبكرا، منذ لعبة تجفيف مياه النيل عن مصر، والسودان معا، في سياق استراتيجي اسرائيلي، يستهدف كل دول المنطقة، وجوار فلسطين، وصولا إلى اهم حاضنات عربية تاريخية، وفي سياق يريد السطو على الموارد، وتفتيت البنى الاجتماعية والدينية والمذهبية والعرقية والقبلية ايضا، حيث يجد الخبراء الاسرائيليون بيئة خصبة للعمل، ومن يتعاون معهم ايضا في كل هذه السياقات.
ما نشهده اليوم، في السودان، ليس مجرد اختلاف على السلطة، ولا مجرد خلاف بين الرؤوس الحامية في السودان، ونحن نسير ببطء نحو سيناريو تقسيم جديد، في ظل فقر مرعب في السودان، وتكتلات سياسية وقبلية وعرقية، وعسكرية، ووجود اطراف دولية حاضنة لكل طرف سوداني، بما سيؤدي نهاية المطاف إلى انقسام السودان المطل على البحر الاحمر، بما يعنيه للامن الاسرائيلي، وتشظي هذا البلد إلى بلدين او اكثر، واضعاف مصر اكثر.
الرئيس السوداني السابق عمر البشير قال في مقابلة صحفية جريئة لمجلة “الوسط” الاسبوعية الصادرة آنذاك في لندن، ان هناك خططا لتقسيم دول العالم العربي بما في ذلك السودان تحديداً إلى 5 دول، الجنوب، دار فور، شرق السودان، كردفان، ووسط السودان، وقد تحقق كلام الرئيس السابق في جزئية فصل الجنوب، والكلام هنا عميق كونه يأتي عن خبرة رئيس بملف بلاده، ومعرفته بالتعقيدات الداخلية التي قد تؤدي إلى انجاح هذا الانقسام، وشملت تحذيرات البشير يومها مخاوفه من المؤامرة على تقسيم مصر، إلى 3 دول، دولة النوبيين المصريين، بحيث ينضم اليها النوبيون من السودان، ودولة للاقباط في اسوان والاقصر، ودولة في دلتا النيل.
هذا يعني ان الاقتتال في السودان اليوم، ليس مجرد خلاف على السلطة، بل ان هذا الملف يهدد الامن العربي بشكل مباشر، بما يعني ان التدخل العربي يجب ان يكون سريعا لوقف القتال، حتى لا تنشطر مناطق ثانية في السودان، تحت وطأة كلف الدم، والجوع، والموت، خصوصا، ان كل التقارير التي تتدفق من السودان تؤشر إلى اوضاع مأساوية، قد تؤدي إلى لجوء بشري، على اساس كل عوامل الانقسام الموجودة، والتي يتم توظيفها من جانب الدول واجهزتها الامنية.
هذه ليست مبالغات، لأن نموذج ليبيا حاضر امامنا اليوم، إذ إن هناك دولتين فعليا، كما ان نموذج اليمن حاضر كذلك، وهناك دولتين ايضا، والقتال في كل مكان في هذه الدول.
التخطيط للمنطقة ليس بريئا ابدا، حتى لو سيطرت الدول الكبرى على الثروات والموارد، لان المخطط الاساسي يقوم على تحريك اسباب الاقتتال وتوظيف المظالم، وتوريط العسكر، في خلافات خطيرة تؤدي إلى هدم البنية الهشة الاساسية لهذه الدول، وهذا يعني ان المخطط لن يتوقف، وسيصل إلى بقية الدول، بما فيها الدول الكبرى التي لها قوتها في العالم العربي.
هناك آلاف الدراسات والتحليلات والابحاث والمقالات التي كتبها مختصون وحذروا عبرها من مخططات التقسيم في العالم العربي، بما في ذلك السودان، وتداخل اطراف اقليمية ودولية، وعلاقة خرائط الدين والمذهب والثروات والجهوية والعرق والقبلية والعسكر بكل هذه المخططات، لكن لا احد يقرأ، بشكل عميق، عما يجري من مخططات بتم نسخها ونقلها من مكان إلى مكان.
ما يجري في السودان، كارثة على السودان، ووحدته، وكارثة على الامن العربي، بما يجعل وقف هذه الحرب هدفاً سامياً حتى لا ينزلق كل السودان نحو وصفة فض الاشتباك، من خلال الفصل بين الفرقاء، ومنح كل واحد دولته، بما في ذلك مخطط آخر يقترح فصل السودان إلى دولتين فقط سودان الخرطوم، وسودان دارفور، ضمن وصفات كثيرة يجري تجريبها على هذا البلد.
(الغد)