كنائس الشرق المتجذّرة بالرّجاء
الاب رفعت بدر
26-04-2023 12:07 AM
أكثر من عشر سنوات مرّت على توقيع البابا الراحل بندكتس السادس عشر لوثيقة هامّة هي: «الكنيسة في الشرق، شركة وشهادة». وقد وقّعها في بيروت إبّان زيارته التاريخيّة في أيلول 2012. ومن أجل ذلك التأمت كنائس الشرق الكاثوليكيّة، تحت شعار: «متجذّرون بالرجاء»، بدعوة من البطريركيّة اللاتينيّة -التي تمتد سلطتها الروحيّة في كل من الأردن وفلسطين وجزيرة قبرص- في نيقوسيا، في هذا الشهر (نيسان 2023) على مدار أربعة أيام، تمّ فيها التباحث والتفكير والحوار والصلاة، بتنظيم من البطريركية اللاتينية في القدس التي تمتد رعايتها الروحية على كنائس جزيرة قبرص، وبرعاية عميد الدائرة الفاتيكانيّة المختصّة بالكنائس الشرقيّة المطران كلاوديو غوجيروتي الذي تسلّم هذا المنصب منذ عدّة شهور فقط، فكان أول لقاء عام بينه وبين كنائس الشرق في قبرص هذا الأسبوع، وقد لمس الحضور «النغمة الجديدة» التي يريد السير عليها، في هذه الدائرة التي ترتبط فيها العديد من الملفات المختصة بكنائس الشرق.
إنّ العشريّة الأولى من بعد توقيع «الإرشاد الرسولي» لم تكن سهلة، بل عنيفة على سكان الشرق بشكلٍّ عام، وعلى المسيحيين بشكلٍّ خاص، الذين بسبب قلتهم العدديّة يتأثّرون مع أعمال الهجرة والتهجير، وقد تناقصت أعدادهم في العقد الماضي ما يزيد عن مليوني شخص يتواجدون الآن مشتتين في كل أرجاء الأرض. وقبل أسبوعين، وفيما احتفل العالم بعيد الفصح، كان هنالك بثّ مباشر من العديد من كنائس في استراليا، فشاهدناها تغصّ بالحضور العربي، وبالأخص من العراق الشقيق، وقد تكوّنت جماعة مسيحيّة عربيّة قويّة هناك.
انعقد المؤتمر إذًا في الوقت الذي أصبحت فيه أعداد مسيحيي الشرق المهاجرين توازي تقريبًا أعداد الذين بقوا في بلدانهم الأصليّة ويريدون إكمال هذه الحياة، بحلوّها ومرّها، برفقة مواطنيهم الذين يتقاسمون معهم ذات الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.
بحضور بطاركة الشرق في الكنائس الكاثوليكية السبعة، والسفير البابوي لدى الأردن وقبرص، والقاصد الرسولي في القدس، استمعنا في قبرص إلى العديد من المداخلات والمحاضرات حول الواقع والطموح المسيحيّ في مشرقنا العزيز، وهو واقع يحمل الكثير من الشؤون الفرحة والحضور الراقي، عبر المؤسّسات التي تعمل منذ قرون في خدمة المجتمعات التي يتواجد فيها المسيحيون، وهي مؤسّسات روحيّة متمثلة بالكنائس، وتربويّة من مدارس ومعاهد وجامعات، وإنسانيّة تعمل على خدمة المواطن الفقير أو اللاجئ القادم مجروحًا من بلده الأصلي، وهنالك أيضا المؤسسات الإعلامية التي تطوّرت مع العشرية الماضية، وتم الإشادة من قبل السيد نديم عمّان، رئيس الدائرة الارسالية الدولية في أبرشية كولونيا الألمانية، بموقع «أبونا» Abouna.org الذي كما قال «يقدّم خدماته للفئات العمرية كافة، وبلغة مفهومة للجميع». وفي كلّ الحالات، تقدّم كل هذه المؤسسات الخدمة بدون تمييز، وبمساواة كاملة لمختلف الأعراق والأديان.
ومن جهة أخرى، هنالك جروحات مشتركة، أسماها عميد الدائرة الشرقيّة «درب صليب طويل» يحمله مسيحيو الشرق، بعدما تعرّضوا في فترات متباعدة، وفي بعض البلدان، لعمليات تهجير قسري تختلف من منطقة إلى أخرى، فهنالك الإحتلال الإسرائيلي الذي أفرغ مدينة القدس وشقيقاتها بلدات ومدن فلسطين من مسيحييها، وهنالك الدواعش الذين أفرغوا سهل نينوى والموصل من مسيحييها.
ويبقى المستقبل في يدي الله تعالى، ولا أحد بإمكانه أن يقدّم ضمانة واضحة في أن يكون المستقبل خاليًا من المتاعب. لذلك يجد مسيحيو الشرق في «فضيلة الرجاء» سكينتهم وجذورهم وطمأنينتهم، وهي ليست متعلقة بآمال زمنيّة، بل بالملكوت القادم. كما أنّها مرتبطة بشقيقتين غير منفصلتين، وهما: الإيمان الذي وصل إليهم معطّرًا بدماء الشهداء، والمحبّة التي ترتكز على العدالة وقيم السلام، وإن بدت غائبة. لكنّ القائمين على المؤتمر قد أحسنوا فعلا، بأن اختاروا شعارا لهذه الأيام: «متجذّرون بالرجاء».
(الراي)