الصندوق الأسود (7) .. بين رسم السياسات العامة وتنفيذها
د. كفاية عبدالله
25-04-2023 09:08 AM
تواجه الإدارات العامة خيارات صعبة ما بين رسم السياسات واختيار أدوات تنفيذها والمراقبة على الأداء وتتبع آثار السياسة وتأثيرها على سلوك المواطنين ، في ظل بيئة أبرز معالمها التقلب والتعقيد والغموض وعدم اليقين؛ حتى في أوقات الاستقرار فإن المؤسسات العامة مطالبة في توخي الدقة لدى تصميم السياسات وصياغتها واختيار الأدوات التنفيذية الأكثر ملاءمة ومتابعة آليات التنفيذ لضمان سلامة التطبيق والحصول على أفضل النتائج ، ولا سيما أنه الحُكم على المنظمات يستند على مخرجات الأعمال ونتائج السياسات.
صنع السياسة عملية تترجم فيها الإدارات العامة رؤيتها إلى برامج وإجراءات لتحقيق النتائج والأهداف، تستخدم السياسة لتحديد مسار العمل في بيان واضح الاتجاه قائم على التحليل والتقييم للحلول الممكنة ما بين الإيجابيات والسلبيات والمضي قدما لاختيار أفضل البدائل واتخاذ القرار الأنسب.
السياسات العامة ريشة ترسم ملامح الطريق تنسج خيوطها لتكوين الخارطة الذهنية عن المؤسسة ومكانتها ودورها في المجتمع في مسعى لتأطير قضاياها والتأثير على المجتمع؛ لتكون أداة تقييم لأساليب وبرامج العمل ، وأداة مساءلة حول النتائج والموارد المستخدمة، تلعب السياسة دور المحفز لكسب ثقة المواطنين أو التعجيل في رحيل الحكومات لدى إخفاقها؛ ولا سيما في القضايا التي تستحوذ على اهتمامات المواطنين وأولوياتهم .
وفي المحك قد تخفق السياسات ؛ فالنوايا وحدها لا تكفي، والأفكار العظيمة قد تتلاشى وأن بدت جميلة على الورق إن لم تمتلك أدوات رصينة للتنفيذ أو جهوداً حثيثة للمتابعة والتدقيق. في حين أنه بإمكانها تحقيق أكبر تأثيراً ممكناً بأقل جهد وموارد ممكنة لتحقيق الصالح العام عند إشراك المعنيين ومساهمتهم في تقديم حلول ممكنة لمشاكل المجتمع.
عندما تكون مشاركة المواطنين طوعية باعتبارهم أشخاصاً يملكون الأصول (Assets) الفكرية أو المعرفية ولديهم الخبرات والمهارات اللازمة ، إنهم قادرون على المساهمة وإضافة القيمة، وليس مجرد أشخاص لديهم احتياجات ومطالب، أنها علاقة عمل تعاونية بين الحكومة والمواطن من خلال فعل الأشياء مع الناس وليست علاقة سلبية أو ارتباطاً أبوياً تبعياً في فعل الأشياء للناس إذ يسنح للمواطنين المشاركة في صنع القرار ورسم السياسات بهدف تحسين الخدمات والوصول إلى أفضل النتائج والتوقعات
وعند تصميم السياسات يتطلب الأخذ بعين الاعتبار أن تكون الأهداف واضحة مبنية على الأدلة والحقائق بشكل صارم وإشراك المعنيين والتقييم الشامل بعد توضيح الأدوار والمسؤوليات ومتابعة الأداء والتغذية الراجعة.
لا بد من فهم نطاق وسياق السياسة وإدراك الإمكانات والتقنيات ومدى إمكانية الوصول إلى البيانات ، وامتلاك المهارات الكافية لجمع البيانات وتحليلها ، والتحلي بالأخلاق لدى التعامل مع بيانات المواطنين، وحماية خصوصية الأفراد ، وتجنب الخداع أو التدليس على الناس.
وهناك أدوات لتنفيذ السياسات منها الإنفاق العام وفرض الضرائب والرسوم ، وأدوات التشريع في سن الأنظمة والقوانين لتشكيل سلوك الأفراد بالإضافة إلى أهمية إصلاح الهياكل التنظيمية للمؤسسات الحكومية من دمج أو إلغاء بعض الهيئات والمؤسسات وتوزيع الوظائف بين مؤسسات الدولة وفق الاختصاصات أو الخصخصة والاستعانة بالمصادر الخارجية عند اللزوم.
ولا ينتهي الأمر عند تنفيذ السياسات لا بد من المراجعة وتقييم الأداء والاستعانة بالتدقيق الخارجي للبرلمان والمجالس ومؤسسات المجتمع المدني ووسائط الإعلام المستقلة، وتعزيز الابتكار لإطلاق تحسينات جذرية وخلق مزيد من القيمة العامة والاستجابة للتحديات ومطالب الشعوب.
د. كفاية عبدالله/ اختصاصي التطوير المؤسسي
(Kifaya2020@gmail.com)