بين عالم الترفيه وضفاف السياسة
مالك العثامنة
25-04-2023 01:45 AM
في الموسم الدرامي الرمضاني الذي انتهى، كنت قد حددت لنفسي مسبقا ثلاث أعمال درامية وصلت إليها بصعوبة في زحمة الأعمال المعروضة على الشاشات، طبعا مع ترف اختيار التوقيت المناسب لي بفضل تقنيات العصر الحديث.
الأعمال الثلاثة كانت سورية، وهي : الزند – ذئب العاصي، و العربجي، وابتسم أيها الجنرال.
لنبدأ من الأخير، ذلك الجنرال الذي ابتسم عبر وجه مكسيم خليل في المشهد الأخير من الحلقة الأخيرة بعد أحداث لم تفارق فيها الكشرة وجهه حتى وهو ينام.
العمل مشوق، ومحير. وقد وصلت إلى قناعة فيه أني لا أتابع عملا دراميا يقدم فن التمثيل ولا ذلك الخط الدرامي المدروس بعناية، بقدر ما أتابع عملا يشبه التجربة المختبرية الأولى في المزج بين الدراما الوثائقية والتسريب المعلوماتي المبني على المحكي والمعروف والسائد من حكايا واقعية تتعلق بالنظام السوري.
فريق العمل ( او الجهة الحقيقية التي أنتجته) استطاعت بلا شك أن تضع كل حكايا وقضايا “المسكوت عنه” طوال عهدين “الأب والإبن” في توليفة غريبة واحدة، وكانت الدراما الحيلة التي استطاعت أن تجمع المعلومات في قصة واحدة لم تخل من ضعف وقصور في بناء الأحداث لكن التشويق كان في لعبة البحث عن الشخصيات والأحداث في تاريخ سورية الحديث ضمن إطار زمني يشمل عهدين لعائلة حاكمة واحدة. العمل لم يكن فيه إبداع أكثر من العادي، لكن الأسئلة التي تركها مفتوحة أمام المشاهد كانت أكثر من العادي والفضائحي، إلى حد أن السوريين في الداخل السوري يتحدثون عنه بضمير الغائب بقولهم “هداك المسلسل” خوفا من القبض عليهم متلبسين بمتابعته.
العمل الثاني كان “العربجي”، وفيه كانت أجواء الحارة الشامية “ماغيرها” لكن بتوليفة جديدة مختلفة ضمن حكاية “عبدو العربجي” الذي أداه المبدع باسم ياخور بإتقان شديد جعلني أتساءل عن قصور الرؤية الإخراجية في تفصيل مهم يتعلق ببياض أسنان فائق الجودة لشخصية عربجي مسحوق في حارة شامية قديمة من العهد “العصملي”، كان عملا مشوقا وترفيهيا لا يحمل أي اجندات سياسية مباشرة او غير مباشرة، تجذبك فيه الحكاية المحشوة بكمية مصائب وكوارث يتعرض لها شخص واحد مما دفعني كثيرا إلى القول على سبيل التندر “بأن من يرى مصائب عبدو العربجي تهون عليه مصيبته”، العمل كان ضمن معايير صناعة الترفيه بامتياز، واللافت أنه فجر أمام مشاهديه إبداعا غير مسبوق لنخبة فنانين عجنتهم الخبرة فحصدوها إبداعا مثل السيدة ديمة قندلفت التي استطاعت بحركات وجه تعبيرية أن تحدث فرقا هائلا في الأداء والإبداع، والفنان الراحل حديثا محمد قنوع رحمه الله، والذي اجترح شخصية استثنائية، وللأسف خطفه الموت قبل ان يكمل فرحه بنجاحها.
العمل الأخير حقق الحالة الأيقونية التي لا يمكن نسيانها، وتجاوز الموسم الرمضاني وقد وصل إلى قمة الإبداع في النص والقصة والخط الدرامي والإخراج والأداء التمثيلي، ومنه – برأيي الشخصي غير المتخصص طبعا- تفجرت كل الخبرة والموهبة في الفنان تيم حسن وقد خلق شخصية “عاصي الزند” مع فريق تمثيل حوله من الصعب أن تجد ضعفا في أداء أحدهم سواء كانوا من ذوي الخبرة او ممثلين جدد، وهذا يسجل للمخرج الضابط لكل تفاصيل العمل سامر برقاوي.
العمل فيه أجندة سياسية عميقة جدا، ومدروسة بعناية تخاطب عقل باطن المتلقي حول فئة محددة من الشعب السوري وتقدم عنهم مرافعة دفاعية تاريخية تمهد لقادم الأيام من مستقبل المصالحة السورية الكبرى.
وعلى عكس الإدانة المباشرة “والمشروعة” في “هداك المسلسل” فإن الزند ومن خلال معالجة فنية عميقة جدا، يمهد لقراءة تاريخية تفسر الاستبداد و “تؤنسنه” بلعبة الإيحاء، على صعوبة ذلك الأمر فعلا.
من ضمن ما قرأت في كتابات سورية، فإن “الزند” كان إحالة من بعيد لأسطورة حاول النظام السوري أيام حافظ الأسد ترويجها عن والد الدكتاتور الراحل وبطولاته “المزعومة”، وبعيدا عن صحة ذلك إلا ان العمل كان عبقريا كحكاية مفصولة عن السياق التاريخي، وربما يشكل أول خلق حقيقي لأسطورة تشبه أسطورة فيلم العراب الأميركي الشهير.
الغد