تجربة شخصية سودانية مريرة .. وتحية للدبلوماسية الأردنية
باسم سكجها
24-04-2023 07:09 PM
كلمة الحقّ ينبغي أن تُقال، وقد كانت لي خلال الأيام الماضية تجربة خاصّة مع الخارجية الأردنية، مفادها أنّ لي مقرّباً يعمل في منظمة تابعة للأمم المتحدة، وجد نفسه في خطّ النار بين الطرفين المتحاربين في السودان الحبيب.
الحظّ العاثر أخذه ليلة سفره إلى الأردن، من مهمته في دارفور، لقضاء ليلة في الخرطوم، ولكنّ الأقدار تشاء أن يطلع الفجر على المعارك المحتدمة، فتحتلّ الفندق قوّة من الدعم السريع، ويتوقّف المطار عن العمل، وهكذا فالحبيب وجد نفسه بين فكّي كماشة القدر.
كان أهله (أهلي) في عمّان يُغلون على نار موقدة، وهو الوحيد لهم، والنجاة من النيران بدت بعيدة، وما بين هدنة ساعة، وهدنة ساعتين، كنّا نتقلّب على جمر الانتظار الذي ضنّ علينا بالاخبار المفرحة، إلى أن كان اتصالنا مع الجميل سنان راكان المجالي، الناطق الرسمي ومسؤول العمليات فاكتشفنا أنّ سفارتنا هناك في صورة وضع كلّ الأردنيين، وتتابع تفاصيل أمورهم، وتبذل أقصى الجهود المستطاعة لتذليل أمر إجلائهم…
على أنّ الأمر بدا أكثر تعقيداً مع إبننا، فهو في خط النار، ومع أنّ الحافلات كانت تنتظر أمام السفارة لنقل رعايانا إلى حيث الأمان، ومن ثمّ العودة إلى الوطن، فالوصول إلى السفارة كان مستحيلاً، والطريق ستستغرق نحو ساعة ونصف الساعة مشياً على الأقدام، بين نيران لا تعرف الحقّ من الباطل، ولم تكن هناك من وسيلة نقل أخرى…
الخارجية الأردنية كانت على علم بهذا، فأتت نصيحة الأستاذ سنان ومن وراءه سفارتنا، أن ينتظر يوماً آخر لعملية اجلاء ستقوم بها الأمم المتحدة، ولعلّها الأكبر في التاريخ المعاصر، وهذا ما كان، أمس، حيث وصل إبننا بعد رحلة ست وثلاثين ساعة بريّة إلى بور سودان، وسيكون بيننا بعد ساعات بإذن الله…
أكتب هذا الكلام تقديراً للمجهودات الجبارة التي قامت بها سفارتنا في الخرطوم لتأمين الأردنيين، وهي التي لا تضمّ سوى قليل من الموظفين، وتقديراً لوزارة الخارجية التي جعلت من مركزها غرفة للعمليات، ولكلّ من ساهم في إجلاء مواطنينا من هناك، من جيش ومخابرات وغيرهم، وهم الذين يرفعون رؤوسنا دوماً…
تفاصيل كثيرة حدثت خلال الأيام الماضية، ملأت قلوبنا بالخوف على أبنائنا، واستحوذت على ضمائرنا بالخشية على مستقبل السودان الحبيب، ولعلّ ما أنقذ مروان من قدر إلهي يُفرّج عن البلد الغالي كلّه، وينقذه من براثن شرور يريد أصحابها قتل بلد عربي جديد…
وآخر قولنا، أنّنا نفخر بالدبلوماسية الأردنية التي خالفت كل قرارات العالم بأن قررت الابقاء على بعثتنا هناك، فحمى الله السفير وأهل السفارة، وحمى الله الأردن بأهله ورجاله… وللحديث بقية