تضارب الإيرادات في السودان!
محمد حسن التل
24-04-2023 06:07 PM
تتسارع عمليات إجلاء الدول الأجنبية والعربية لرعاياها من السودان، وإغلاق سفاراتها هناك بطريقة لافتة، وهذا مؤشر أن المجتمع الدولي لديه دلائل ووقائع واضحة تشير إلى أن الصراع في السودان لا يمكن التنبؤ بنهاياته ونتائجه.
يدخل الصراع يومه الحادي عشر دون أي بارقة أمل في السيطرة عليه وإقناع طرفي النزاع بإيقاف الاقتتال والاحتكام إلى طاولة المفاوضات، في ظل انعدام وجود أي جهد عربي أو دولي حقيقي يتعدى رد الفعل اللفظي للضغط على المتقاتلين بالكف عن اقتتالهم العبثي الذي لن يؤدي إلا إلى دمار السودان وجعله ساحة صراعات بين أطراف كثيرة تتقدمها تنظيمات الإرهاب العابرة للحدود كما أشرت سابقا.
واللافت أن أخبار عمليات الإجلاء من السودان غطت بشكل كبير على أنباء الصراع، وأصبح إجلاء الناس من هناك وكأنه المحور الأساسي فيما يحدث، وشرع الإعلام على مختلف جنسياته وتوجهاته بإفراد مساحات كبيرة للحالة الإنسانية للسودانيين وخطورة هذا أن التركيز الدولي الذي سينصب في المستقبل القريب على مساعدة الشعب السوداني إنسانيا، مع تجاهل سبب هذا الوضع والسبب الذي أدى إليه وهو الصراع العبثي الذي يقوده جنرالات يريدون الاستفراد بالسلطة دون النظر إلى حياة السودانيين ومصالحهم من قريب أو من بعيد ان تصبح الحرب امرا اقعا للعالم وتمتد لوقت طويل..
أخطر أمر على السودانيين وقضيتهم اليوم التدخلات الخارجية فيما يجري على أرضهم، وقد بدأ الحديث يزداد عن الاتجاهات المتضاربة والتحالفات التي ستزيد من الصراع وتعمقه، فالجيش له تحالفات وعلاقات دولية في كثير من الأحيان متضادة لتحالفات قوات التدخل السريع وقد بدأت تتسرب الأخبار من الخرطوم عن احتمالية تلقي الطرفين دعما من حلفائهما سواء على الجانب السياسي أو على الأرض، وهذا سيزيد من الهوة ومأساة الشعب السوداني.
تاريخيا، السودان ساحة تنافس للدول، نظرا لموقعه الجغرافي المميز في إفريقيا وعلى أطراف آسيا، روسيا مثلا تنظر إلى وجودها هناك أمرا يحقق لها حلمها بالوصول إلى مياه البحر الأحمر، كذلك الصين التي تريد السيطرة على عمليات استخراج النفط والسيطرة على اقتصاد السودان، وترى في هذا الأمر جزءا من صراعها مع الولايات المتحدة على النفوذ في المنطقة، وأمثلة كثيرة على الاتجاهات الدولية المتضاربة في السودان، ناهيك عن تلك العربية والإفريقية التي ستزيد من الفوضى والتي سيدفع ثمنها أبناء السودان أنفسهم، الذين لم يحظوا يوما بالاستقرار والأمن أو الاستفادة من خيرات بلادهم.
الشعوب المغلوبة على أمرها دائما تكون الضحية للصراعات العبثية على السلطة في أي بلد، وهي التي تدفع الثمن الصعب لهذه الصراعات التي تأتي في غياب الديمقراطية الحقيقية المؤدية إلى حكم الناس أنفسهم بأنفسهم وحسب خياراتهم.
ايضا فإن تصرفات الأنظمة الديكتاتورية عادة مم تكون من أجل حماية نفسها دون الأخذ بالاعتبار مصلحة الشعب، وهذا ما حدث في السودان عندما قام الرئيس المطاح به عمر البشير بتأسيس مؤسسة عسكرية موازية للجيش "قوات التدخل السريع" حتى يحمي نفسه من انقلابات الجيش، ولكن انقلب السحر على الساحر، وانقلبت هذه القوات عليه، وشاركت مشاركة فاعلة في إسقاطه، والسودان يعيش اليوم نتائج هذا التفكير العدمي.
المجتمع الدولي مطالب بأن يكون جادا في حل المشكلة السودانية، ولو بالتلويح بالقوة، وفرض عقوبات وإقصاء طرفي الصراع عن الساحة، وتمكين القوى السياسية المدنية من إعادة ترتيب أوضاع البلاد من جديد، وإيجاد أسس ثابتة لمنع تكرار ما يحدث اليوم في السودان، وحدث على مدار العقود الطويلة، فقد وقعت هناك عشرات الانقلابات، نتيجة لظروف معقدة كان من نتائجها اعطاء الفرصة لرجال الجيش العمل في السياسة، لهذا ظل التداخل بين السياسيين والعسكريين في الشأن العام السوداني دافعا قويا ومغريا للتدخل العسكري في كل مرة، وفي العادة كانت تأتي الانقلابات العسكرية في السودان تحت حجة فشل السياسيين في حكم البلاد، واعتبار العسكر أن الأمور أصبحت واجبة لتدخلهم، وكما يشهد تاريخ السودان فإن هذا التدخل يزيد الفوضى والتناحر.
كتلة الدول العربية والاسلامية ايضا يجب أن تتنبه للوضع في السودان وأنه تهديد لأمنها ومنع أي تدخل عبثي من أي جهة عربية أو غير عربية تشعل الصراع أكثر، فالسودانيين اليوم أكثر من أي تاريخ مضى بحاجة إلى أمتهم للوقوف إلى جانبهم لإنقاذهم من صراع يهدد وجودهم بالكامل.
لا يمكن السكوت عما يقوم به جنرالات لا مانع لديهم من تدمير البلاد من أجل أن يكسر الواحد أنف الآخر، والضحية هنا السودان دولة وشعبا.
باتت الاحداث المتسارعة في السودان مفتوحة على كل الاحتمالات واذا ترك هذا البلد المنكوب يواجه مصيره لوحده سيندم الجميع، لأن شرر الحرب هناك ستتطاير خارج حدوده..