مهما كان تفسير هذه الآية؛ فالجنسان مختلفان حتماً. وهذا كلام الله وليس كلام بشر، ولم يرد فيه تفضيل أحدهما على الآخر، ما ذكر هو فقط الاختلاف.
التفسير اللغوي، ليس أحمدُ كخالد، فخالد اذن أفضل أو على الاقل هما مختلفان بجزئية معينة مدار بحث او تفضيل او جدل مقارنة ما. فالاختلاف هو وارد ولصالح أفضلية الطرف الثاني، ولكن مجال الاختلاف هو المحدد للأفضلية، ومع اني لا اقتنع بهذا التفسير اللغوي، كون أحمد وخالد ذكورا، وليسا من جنسين مختلفين، وبمنهجية التفسير اللغوي هذا لا يجوز المقارنة بين التفاح والبرتقال، وبين الملائكة والبشر، حيث لكل منهما خصائصه المختلفة مما قد لا تتقاطع بمكان مشترك قابل للمقارنة بينهما. ويبقى التفسير الاصطلاحي الفقهي هو السائد قبولا. وهو ليس من اختصاصي الا بما فهمت من وجودية الاختلاف - الخَلقي وليس الخُلقي، والمهني تباعاً.
أما في الحديث النبوي الصحيح؛ فقد كمل الكثير من الرجال، ولم يكمل من النساء الا ثلاث، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ).؛ هذا الحديث رواه البخاري (3411)، ومسلم (2431). والكمال المقصود هنا حسب التفاسير هو بلوغ الغاية الممكنة في التقوى والفضائل والأخلاق والخصال الحميدة. وقال النووي: "والمُرَادُ هُنَا: التَّنَاهِي فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ وَخِصَالِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى". انتهى من "شرح صحيح مسلم. وبروايات أخرى كانت منهن فاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد.
وبما أن كمال السيدات الفاضلات المذكورات بالحديث آنف الذكر هو كمال يضاهي كمال الرجال المذكورين بفضائل الاعمال، فالكمال اذن متشابه، مما لا يمنع المرأة رغم خصوصيتها من تنافس الرجال بتلك الخواص، رغم قلتهن مقابل كثرتهم. ومن الجدير بالذكر ان هذا الكمال ليس مقتصراً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله، بل مستمر على مر العصور بدليل فعل الماضي وعدم ورود ما يتعداه للمستقبل بلا الناهية او النافية. بالاضافة لذكر سيدات عشن بأزمان مختلفة من عهد موسى وعيسى ومحمد عليهم صلوات ربي وسلامه.
الكمال مدار البحث بالحديث، هو امر مطلق غير نسبي، لانه علامة ال ١٠٠ بالمئة، لا يعلوه معتلي ولا يدانيه اقل منه، في تلك الفئة من البشر وفي تلك الغاية منه. ولكنه كان وجه مقارنة بين جنسين مختلفين، أكد الآية الكريمة آنفة الذكر ولم يخالفها، وأيد وجه الاختلاف بكثرة الكاملين من الرجال مقابل قلة الكاملات من النساء. وهذا أمر طبيعي لوجود الاختلاف الخُلقي والمهامي بينهما. وهذا الاختلاف موجود مشاهد، ومثبت بآي الذكر الحكيم أيضاً، ولا غبار على فهمه الا من قاصرٍ أو منكر، اذ لولا وجوده لما استمرت حياة لبشر.
ومن ذات المنطلق المنطقي، قد يكون في زمننا هذا نساء كاملات - لا نعرفهن، وقد يكون هناك رجال كاملون - لا نعرفهم أيضا، فوجه الكمال بالبر والتقوى غالبا ما يكون مجهولا، فكم من مجهول في الارض معروف في السماء.
وبناء عليه؛ برغم وصول ذات الكمال من الجنسين وبنسبتين مختلفتين، اربع او خمس من النساء مقابل الكثير من الرجال آنذاك، الا ان الاختلاف لا زال موجودا، من ناحية البناء الخلقي والوظيفي، وهذا الاختلاف قد يكون لصالح الرجل في مهامه الشاقة، ولصالح المرأة في مهامها الدقيقة التي لا يتقنها الرجل، فلكل مجال اختصاص مختلف عن الآخر. ومنه نستطيع القول ان الاختلاف الوظيفي الناتج عن الاختلاف البدني التركيبي هو اختلاف منصوص عليه في الاسلام - وفي العصور التي قبله، وبجميع الديانات السماوية الثلاث، كما انه ملاحظ في انماط الحياة اليومية الاعتيادية.
وعليه، قد تكون الكوتة النسائية في مقاعد النيابة، والحقائب الوزارية وبعض المناصب غير الحساسة ولا القيادية، ولكنها تقل وتشح في المناصب القيادية الحساسة، مثل رئاسة الوزراء، أو رئاسة البلدان، أو قيادة الجيوش بالميادين، أو قيادة الجاهات العشائرية - التي تعتبر قضاء بدوي عريق لمرحلة ما قبل انفاذ القانون السائد في بلدنا. رغم ان رئيسة وزراء المانيا المستشارة ميركل اثبتت كفاءة منقطعة النظير مقارنة مع من سبقوها من الرجال في ادارة بلادها. وغيرها الكثير من العالمات والباحثات والمربيات الفاضلات كلٌ في مجال اختصاصها المشترك مع الرجال، وهذا ما أكده الحديث الشريف، بتشاركية الكمال رغم اختلاف الجنس، لكنه استثناء لم يعط الا للقلة القليلة منهن، وليس تقصيرا من الرجال في ازمانهن.
خلاصة القول؛ ليس تقصيرا من الرجال أن تقود إمرأة جاهة عشائرية، ولا قلة فيهم ولا نقص، لكن السؤال الأهم ما هي المميزات الفريدة التي تجمعت في شخصية تلك المرأة الامر الذي قدمها رجالها عليهم في تلك المهمة القيادية الحساسة؟ هذا ما لا نعرفه. وليس مهما جدا ان نعرفه او نختلف عليه. لكنه على الاقل سيبقى مبرر لرجالها من حرج السؤال - عندما يوجه لهم.