لغايات التحليل العلمي،
في أي حدث تتعدد رواياته، وتلتبس حقائقه وحيثياته، وتتباين المواقف إزاءه، ابحث عمّا اسميه "الرواية المرجعية" أو "السيناريو المرجعي"، بمعنى الرواية التي يتخذها الناس النقطة المرجعية الثابتة التي يقيسون إليها بقية الروايات، ويحدّدون موقفهم من الحدث بناء على ذلك.
هذه الرواية المرجعية لا ينبغي أن تكون حقيقية بالضرورة، هي تعبّر عمّا يرتجي الناس أن يكون، وعمّا يعتمل في صدورهم ويدور في عقولهم، ويأملون أن تأتي الحقائق على الأرض تاليا مؤيدة ومؤكدة لما استقرّ مسبقا في دواخلهم.
هذه الرواية المرجعية، وهذه الآمال والأفكار، تعبر عن الوجدان أو الضمير الجمعي لهذه الجماعة أو هذا المجتمع.
بمجرد أن تناهى إلى أسماعنا في الأردن نبأ إلقاء القبض على النائب "عماد العدوان" من قبل "الكيان الصهيوني"، ما هي "الرواية المرجعية" التي استقرت دواخلنا، وأصبحت المرجعية التي نقيس إليها موقفنا من هذا الحدث بحيثياته وحقائقه التي يبدو أن إعلام العدو وغير العدو يصرّ على غمغمتها والتعتيم عليها؟!
روايتنا المرجعية كأردنيين هي: ها هو ابن الأردن النشمي البار يهرّب سلاحا ومالا نصرة لإخوتنا في فلسطين الحبيبة وعونا لهم في نضالهم وجهادهم ضد العدو الصهيوني الغاصب!
أي حيثيات وحقائق لاحقة ستتبدّى لهذا الحدث، وأي "رواية رسمية" ستتم محاولة فرضها لاحقا من قبل العدو أو غيره، ستكون رواية "الأردنيين" أعلاه هي مرجعيتها ومقياسها.
فإذا جاءت الحقائق والحيثيات مطابقة لروايتنا المرجعية فرحنا، وإذا جاءت الحقائق والحيثيات مخالفة لروايتنا المرجعية - لا سمح الله - فإنّنا سنُخذل، ولكن هذا الخذلان هو بحد ذاته مؤشر إيجابي؛ لأنّه خذلان يؤكد مرجعية وأساسية روايتنا المرجعية ولولا أنّها كذلك ما خُذلنا.
بكلمات أخرى، كره الكيان الصهيوني العدو الغاصب، وقناعتنا بوجوب النضال ضده، ورغبة كل فرد منّا إن استطاع بنصرة إخواننا في فلسطين.. هذه هي "إعدادات المصنع" بالنسبة لوجدان الأردنيين وضميرهم الجمعي، وكلّ ما عدا ذلك هو "استثناء"!