مضر باشا بدران توفي عن عمر يناهز التسعة وثمانين عاماً قضى جزءاً كبيراً منها في الخدمة العامة، وقد كان مع غير المألوف سباع الكارات ولكنه كبير الغارات، وقد عمل في القضاء والمخابرات وفي الديوان الملكي العامر رئيسا له ووظائف أخرى فيه، وكلفه الراحل الكبير الملك الحسين بتشكيل الحكومة أربع مرات على الأقل بلغت مدتها أكثر من ثماني سنوات، وعمل مستشارا أمنياً لجلالة الحسين كما صار عضوا في مجلس الأعيان.
وقد ساهم في حكومته الأولى والثانية خلال الفترة المتواصلة من 1976-1979 عدداً الإنجازات أهمها المساحة في إعداد الخطة الخمسية الأولى 1976-1980 ، والتي نفذت بكاملها ووفرت للأردن الكثير من الخدمات الأساسية والبنى التحتية، كما شهدت إنشاء جامعة اليرموك (1976)، وشهدت كذلك إنجاز قانون الضمان الاجتماعي، ومؤسسة التدريب المهني، وإنشاء صوامع الحبوب ومحارسة وبناء المخزون الاستراتيجي من الأغذية الأساسية في الأردن، وفي أثناء هذه الحكومة تطورت العلاقات مع سوريا وكان البلدان يسيران نحو التنسيق الكامل حتى عام 1979.
وبعد وفاة المرحوم الشريف عبد الحميد شرف عام 1980، واستقالة الحكومة الانتقالية للمرحوم الدكتور قاسم الريماوي، عاد مضر باشا من جولة آسيوية بناء طلب الملك الحسين ليشكل حكومته الثالثة 1980-1983، وقد شهدت هذه السنوات الاعداد لبناء والتكنولوجيا في إربد وتخصيص الأرض الواسعة لها بالقرب من الرمثا، وشهدت كذلك ولادة الخطة الخمسية الثانية 1981 - 1985، والتي صادفت التحسن الهائل في العلاقات الأردنية العراقية إبان حرب العراق وإيران 1980 -1988 وفتحت الأردن أبوابها على مصراعيها لنصرة العراق، وكذلك أنجز مشروع مطار الملكة علياء والطريق العريض الذي يربط المطار بمدينة عمان.
وأنشئت صروح أخرى وطرق ومصانع ، ومشروع مدينة عمان الصناعية في سحاب والذي دشنه الراحل الحسين العظيم عام 1984 بعد استقالة حكومة مضر باشا بأشهر.
ولقد كان من أبرز إنجازات تلك الحكومة التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار بعد ثمان سنوات متواصلة من الغلاء الذي كانت خلال الفترة من 1975 - 1982 حوالي 16 % وقد شهدت هذه السنوات معدلات نمو بلغت بالأرقام الفعلية 8% سنوياً وكان معدل البطالة 1% فقط، وبعدها عمل في مجلس الأعيان عضوا، وكان هاجسه الأمني مرتفعا ، وقد تميز بالجرأة والعدالة، وفي عام 1989 ، وبعد هبة معان، والانتهاء من إعداد الميثاق الوطني الذي شكل الملك لجنة من (48) عضوا يمثلون مختلف التوجهات والأحزاب السياسية برئاسة دولة الأستاذ أحمد عبيدات، وقد تحمل عبئا واحدا من أحسن البرلمانات الأردنية والذين كان فيهم عدد كبير من النواب الإسلاميين واليساريين والقوميين والمتعصبين لوطنهم بجدارة.
وقد شحذ هؤلاء سكاكينهم عليه ، ولكنه استطاع ان يستوعب الهجمات النارية عليه ، واتهم بأمور لم يفعلها .. ولكنه اكراماً لوطنه و مليكه تحمل كل ذلك.
ومما يسجل له انه عام 1983 ، أدخل تعديلا على الدستور الأردني أتاح الفرصة لإجراء انتخابات برلمانية فرعية في الأردن أفرزت أناساً مثل الرحوم ليست شيلات، وسمحت لأعضاء البرلمان ان ينتجوا نواباً عن الصفة الغربية التي لم تكن ظروف الاحتلال تسمح بإجراء انتخابات فيها، ولولا نباهته وحسن أدائه لكن المجلس الذي شاخ عدد كبير من نوابه أو ماتوا لفقد النصاب ولوقعت أزمة دستورية ولتشريعية حادة.
حكومته تمكنت من الحفاظ على دينار قوي، وبناء مخزون احتياطي محترم ، وعلى خلق توازن مالي جعل الايرادات المحلية مساوية للنفقات الجارية للحكومة.
لقد عينني أمينا عاماً لوزارة العمل لإنجاز قانون الضمان الاجتماعي وبناء مؤسسة التدريب المهني.. وعيني ايامها عضو مجلس إدارة لشركة مصانع الاسمنت الأردنية لما عجزت الشركة عن توفير الإسمنت بكميات كافية عام 1977، ومن بعدها عينت مديرا للضمان الاجتماعي، وفي حكومته عام 1980 عينني وزيراً للعمل، وكنت عضوا في لجنة التنمية الوزارية، ومن بعدها صرت عضواً لمدة ست سنوات التعليم العالي والذي كان يرأسه، وفي حكومته عام 1989 صرت نائبا لرئيس لجنة بنكي البتراء والأردن والخليج.
لقد كان الرجل موضوعياً ودقيقاً ونظيفاً، ويحق لنا أن تذكره بالخير، وأن نعدد مناقبه التي من أهمها حبه لأسرته وأصدقائه وأولاده وبناته، ويمكن أن أكتب عشرات بل مئات الصفحات لكن الرجل كتب مذكراته الموسومة" القرار" وأنصح بقراءتها.