انضِمامي كَمُؤسّسٍ في جهدٍ جماعيّ لتأسيسِ الحزب المدنيّ الديمقراطيّ الأردني "تحتَ التأسيس" مع نخبةٍ مُنتقاهٍ ومحترمةٍ من سياسِيّين وناشِطين وتكنوقراط من ذوات، يجعلُني وإيّاهم نُراقِبُ كافّةَ السياسات الحكوميّة ذات الأثرِ الايجابي أو السلبي ونُراجِعُها أوّلاً بأوّل، وبالتأكيد لنا فيها رأيٌ في قادمِ الأيام، وستنعكِس على برنامج الحزب وأوراق السياسات القطاعية لحزبنا البرامجي "إن شاء الله"؛

لأنّنا جميعاً نتقاسَمُ الضّررَ إن كانت هذهِ السياسات ثُقباً في قاربِ الوطن، أو نتقاسَمُ الفوائد إن كانت رُقعةً في ثقبِ نفس القارب الذي يجمَعُنا، كما أنّنا نراقِب كلَّ المبادرات التي تنتُجُ عن أيّ جُهدٍ أهليّ أو بِحُسن نوايا من القطاعِ الخاص، قد تحمِلُ فرصةً من الفرص الضائعةِ أو المهدورة، إذا ما تمّ استغلالهُا أفضلَ استغلال، أو توجيهُها بِالإطار الصحيح، لا سيّما أنّ مِثل هذهِ المبادرات قد لا تتكرّرُ كثيراٍ إلاّ بعد عدةِ سنوات.

اطّلعَ الأُردنيون منتصفَ الأسبوع الماضي على إعلانِ جمعية البنوك العاملة في الأردن؛ والمتضمّن إطلاقَ مُبادرةٍ لدعم الأُسر المحتاجة والمعوزة مِن خلال وزارة التنمية الاجتماعية بمبلغٍ إجماليّ يصلُ إلى 2 مليون دينار، حقاً هِي مُبادرةٌ طيّبة ومُقدّرةٌ شعبياً وخُصوصاً من فئة دافعي الفوائد المرتفعة، وبالتأكيد كذلك مُقدّرةٌ رسمياً بأن أَخذَ القطاع المصرفي على عاتقه تحمُّلَ حصّةً من العِبء الواقع على الخزينة، وجزءاً من التزامِ الدولة ودور الحكومات في دعمِ فئاتٍ محرومة أو فقيرة، مُؤكّدةً بذلك مسؤولياتها الاجتماعية تجاهَ شريحةٍ أصبحت ليست قليلةً من المجتمع، خصوصاً أنها لا تندرجُ تحتَ باب الترويج أو التسويق؛ لأنّ هذه الشريحة لا تعتبرُ من الفئات المستهدفة من القطاع المصرفي لترويجِ أيٍّ من منتجاتهم البنكية الموجّهة لتمويل الأفراد، وعلى الأغلب لا تحقّق هذه الفئة شروطَ منحِ أيٍّ من القروض لتمويلِ شراءِ شقةٍ أو شراءِ سيارةٍ أو منحِ بطاقة ائتمان لأبسط سبَب؛ ألا وهو تعذّرُ استدامة الدّخل لهذه الفئة، والذي لو توفّرَ لها لما كانت من ضمنِ قاعدة بيانات المستفيدين من صناديقِ الأمان الاجتماعي التي تتوَلّى إدارتها وزارةُ التنمية الاجتماعيّة.

هذهِ المقدمة تقُودني لتقديمِ مُقترحٍ لاقتسامِ نصف هذا المبلغ؛ لمنحِ مبلغٍ لشراءِ (سمكةٍ) لكلّ فردٍ من شريحةِ المحتاجين، والنصفِ الآخر لمنح مبلغٍ لشراءِ (صِنّارةٍ) لاصطيادِ سمكةٍ لكلّ فردٍ من شريحةٍ أخرى من الفئةِ المستهدفة.

إنّ فكرةَ إعطاءِ الأموال للفُقراء لشراء الطعام فكرةٌ مُقدسّة، وإنّ هذا النوع من الدعمِ يُساعد على تلبيةِ احتياجات الفُقراء الأساسيّةِ من الطعام، وتحسين مُستوى المعيشة للأفراد وعائلاتهم، والذي يُسهِمُ في تحسينِ صحّة شريحةِ الفقراء وتجنّبِ سوءِ تغذيتِها، ولكنّ هذا النوع من الدعم يعتبرُ مُؤقتًا، ولا يحلّ مشكلةَ شريحة مُتلقّي الدّعم بشكلٍ دائم، ولا يمنحُ الفرصةَ للفُقراء لتحسينِ وضعهم الاقتصاديّ على المدى الطويل.

كما أنّ فكرةَ دعم المشاريع الصغيرة أو المتناهية بالصّغر التي يملكُها الفُقراء، أو تحفيزهم لإنشاءِ مِثل هذه المشاريع، لم تَعُد ابتِكاراً أو تفكِيراً خارجَ الصندوق، إنما ستكونُ فرصةً للفُقراء لتحسينِ وضعهم المعيشي بشكلٍ دائم وتحقيقِ الاكتفاء الذاتي، ويشجّعُ التنميةَ المستدامة لهذه الفئةِ خاصّة وللمُجتمع بشكلٍ عام، كما أنّه يساهمُ في توفيرِ فرص عملٍ وتحسين دخلٍ للأفراد وعائلتهم، وإنّ تكرارَ مِثل هذه المبادرات سيُساعد في تحسينِ الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وسيُمهّد لمأسسةِ العملِ الخيريّ الإنساني المستدام ولمبادرات المسؤولية الاجتماعية التي يتبنّاها القطاعُ الخاص والأهلي، وستستفيدُ منه شرائح الفقرِ ومن في حُكمِهم.

وبناءً على ما تقدّم، أقترِحُ أن تقومَ جمعيةُ البنوك بتخصيصٍ مبلغٍ إضافيّ صغيرٍ يزيدُ عمّا قدّموه مشكُورين، وتوجيهُهُ لدراسةٍ يقومُ بها مركزُ أبحاثٍ لدراسةِ التجربتين؛ تجربةُ منحِ الفقراء مبالغ ماليّةٍ لشراءِ الطعام، ودراسة الفئةِ الأُخرى إذا ما تمّ دعمُها بقيمةِ الفوائد البنكية لمشاريع صغيرةٍ أو مُتناهِيةٍ بالصّغر والموجّهة لفئةِ الفقراء، وأثر فوائد هذه القروض كإعانةٍ مالية والتي ستتضاعَفُ قيمتُها من 8 _ 10 أضعاف في ظلِّ ارتفاعِ الفوائد البنكية الكبيرِ مُؤخّراً، وأثره على زيادةِ الإنتاجية والاقتصاد الكلّي وعلى نسبِ النموّ، ودراسة أثرهِ الاجتماعي على نسبِ الجريمةِ وعدد حالات الطلاقِ بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية، لا سيّما أنّ الهدفَ الأوّل والأخير ألا وهو الأمنُ الاجتماعيّ والسِّلم الأهلي.

وللحديثِ بقيّة...

م. عامر البشير
عضو مؤسس في الحزب المدني الديمقراطي الأردني "تحت التأسيس"
نائب أمين عمان الأسبق
وعضو مجلس النواب السابع عشر
ورئيس لجنة النقل والخدمات العامة النيابية الأسبق