(منتصف الثمانينات)
(يا ولد!) ينادي أبي من الديوان (غرفة الضيوف) ليأتيه أحدنا ( أنا أو أخي بلال) لخدمة ضيوفه ، أسمع نداءه و أتجاهل كسلاً لعل بلالاً يلبي النداء، (يا ولد!) يعاود المناداة بصوت أعلى و أعاود التجاهل ، بعد ثوانٍ يخرج أبي من الديوان متجهماً (مش سامعني بنادي؟!!) ، أرد بخبث و تغابٍ (فكرتك تنادي على بلال) ، كانت تلك اللحظة إحدى لحظات الغضب النادرة عند أبي و لا تزال معلقة في (برواز) مثبت على حائط ذاكرتي ، ضربة مستحقة على رقبتي و أذني التي أصدرت طنيناً ( لا أذكر ضربة غيرها منه في حياتي) ، (من اليوم اذا ناديت يا ولد ترد انت و اذا بدي بلال أنادي يا بلال) قالها بحزم و ندم و حنان شعرت به و لم يبده لضرورة التربية لكن الأمر نفذ و استمر أسابيع لم يناد فيها (يا بلال) إلا مرات معدودة ، بعد أن تعلمت الدرس جيداً و أشفق علي تم إلغاء أمر الدفاع السابق على أن (نتداور) الأيام بيننا أنا و بلال في خدمة الضيوف.
لا تزال تلك الأيام حين كنت أنا المقصود بالولد مع كل نداء من أبي منقوشة في حياتي ، وقتها كانت نكداً لكنها الآن فقدٌ ، آه يا أبي لو تعلم كم أتمنى أن أكون الولد و انا الأربعيني التائه، تعب الولد.