إن الفرق الرئيس بين السياسي الحقيقي وهواة السياسة، يكمن في بنية الجملة السياسية ومتونها التي يقدمها كل منهما، فاللجملة السياسية قواعد تشابه قواعد اللغة المحكية في تركيباتها وأصولها.
إن للجملة السياسية مكونات رئيسية نستشف منها رسالة حاملها، وتنسجم فيما بينها مُشّكلة نغماً فكرياً ذو بُعد سياسي يخاطب المتلقي.
وتتكون الجملة السياسية من أُسس ثلاث وهي العقيدة الفكرية، و الرؤية الإستراتيجية، وصلاحية الطرح و واقعيته.
فإن السياسي الحقيقي الذي يريد أن يُحرك الجمهور عليه أن يجمع هذا الجمهور حول فكرة رئيسية معينة، ويعمل على ترسيخها حتى تصبح ثابتاً لدى إجماع كبير من الجمهور مع مرور الوقت، فتتحول من فكرة إلى ثابت ويتحول الثابت إلى عقيدة، فلا سياسي بلا عقيدة ولا جمهور بلا هدف واضح وثابت.
تتصل العقيدة الفكرية إتصالاً مباشراً والإستراتيجية التي يمكن من خلالها تحقيق مآرب تلك العقيدة على أرض الواقع، و بالتالي تحويل الفكرة إلى رابط حسّي يؤثر في حياة الأفراد ودون إستراتيجية تطبيقية ستبدو تلك العقيدة مجرد خيال حالم أو نظرية أدبية في بطون الكتب.
وتكتمل بنية الجملة السياسية من خلال واقعية الطرح و سلامة المنطق الفكري، والذي يرتبط بغزل نمط فكري يعمل على نسق إستراتيجيا يمكن تبسيطها للعامة وتشفيرها للخاصة، بحيث تخاطب الإجماع من الناس.
بعيداً عن الإندفاع في الدعوة لما يعلم الجميع أنهُ لا يمكن من الأمر، حتى لو كانت الخطة على درجة عالية من الإتقان.
إن السياسي الحقيقي هو من ينظر إلى المشهد من كافة زواياه، و يستعير كافة القبعات فيحقق نظرة الطائر حتى يتعرف بحق على ما يمكن، وإلى أي مدى يمكن للممكن أن يكون ممكناً! .
أما الهواة فإن ركاكة لغتهم النابعة من هشاشة تراكيب جملهم فيحكمها ردود الفعل السريع، دون النظر إلى الماورائيات السياسية فينكشفون حال ما يسجون بضاعتهم، فقط دعهم يتكلمون وسيخسرون أوتوماتيكياً.