تجرى الاستعدادات لعقد قمة أردنية-إيرانية مطلع 2011 بما يساهم على الأرجح في تعزيز المصالح المتبادلة اقتصاديا, تجاريا, سياحيا وأمنيا ويخفّف من حدة التجاذبات السياسية بين بلدين يدوران منذ سنوات في فلكين متناقضين; "الاعتدال" و"الممانعة".
يتوقع أن يساهم أول لقاء بين الملك عبد الله الثاني والرئيس أحمدي نجاد, بعد إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية, في تنويع سلة خيارات الأردن الدبلوماسية في إقليم متغير يشهد تنافسا لاقتسام النفوذ بين أمريكا وحليفتها إسرائيل من جهة وإيران وتركيا من جهة أخرى منذ سقوط بغداد 2003 - عمق الأردن الاستراتيجي في السابق. كذلك سيساعد في إعادة تموضع الأردن المنشود لحماية مصالحه ويكسب الحكومة شعبية في مجتمع تشهد مكوناته معارضة متنامية لسياسات الولايات المتحدة التي تضع مصالح إسرائيل فوق أمن واستقرار حلفائها العرب, ومنهم المملكة.
من هنا لا يستبعد ساسة ودبلوماسيون أن يثير اللقاء المرتقب في عمان أو طهران حفيظة أمريكا وإسرائيل من جهة, والسعودية, مصر ودولة الإمارات- سائر أضلاع رباعية الاعتدال العربي, التي دفع الأردن لتشكيلها قبل أربع سنوات في إطار حماية مصالح هذه الدول في وجه تمدد إيران وقصور أمريكا.
فإسرائيل, بحسب ساسة أردنيين, بدأت تحرّض أمريكا وتحذر من تبعات التقارب بين الأردن وإيران الداخلة في مواجهة مع الغرب بسبب ملفها النووي, وسط تهديدات مستمرة بشن عمل عسكري - إسرائيلي أو أطلسي - لإجهاض قدراتها النووية, في منازلة جديدة قد تحول المنطقة برمتها إلى بؤرة حرائق وكوارث.
هذا التحسس غير مبرر, برأي عدد من الساسة. فأي تقارب في العلاقات لا يعني أبدا انقلابا استراتيجيا يلقي الأردن في الحضن الإيراني, بعيدا عن التحالف السياسي, العسكري والاقتصادي بين عمان وواشنطن, الذي تعمق خلال العقد الماضي.
فالأردن ملتزم بإستراتيجية عليا خطوطها الحمر عدم المس بالتحالف مع أمريكا وبعلاقات مع إسرائيل تماشيا مع معاهدة السلام المبرمة عام .1994
لكن الالتزام بمحددات العمل ضمن الأطر الأمريكية كبّد الأردن ثمنا مرتفعا, وقيّد دوره الدبلوماسي في ملفات الإقليم العالقة: فلسطين, العراق ولبنان. فالإدارة السابقة طلبت من الأردن دعم عملية السلام, العمل ضمن إطار دول الاعتدال, إسناد الرئيس الفلسطيني محمود عباس, الابتعاد عن سورية, عدم الحديث مع إيران, محاصرة حماس ومقاطعة حزب الله.
واليوم آن الأوان لأن تختار عمان اللعب ضمن مساحة التكتيكات الممكنة.
التقارب الأردني-الإيراني الاخير لم يكن وليد لحظته, بل نتيجة تراكم مبادرات متبادلة باتجاه كسر الجليد, لا سيما منذ زيارة نجاد للبنان قبل شهرين. في ذلك الوقت, هاتف الرئيس الإيراني الملك عبد الله الثاني والعاهل السعودي عشية زيارته تلك. تحدث الزعيمان في "العلاقات الثنائية ومجمل الأوضاع في المنطقة". شعر الأردن الرسمي, الذي تحسنّت علاقاته بالقيادة السورية كثيرا حسبما أعلن بشار الأسد أخيرا, بأن إيران تمد يدها صوبه, بالتأكيد لخدمة مصالحها وربما لإرسال إيماءات للغرب.
مذذاك, بدأت الاتصالات بين الطرفين, لكن بصمت, على مستوى القصر وديوان رئاسة الجمهورية الإيرانية, لمتابعة انعكاسات الاتصال "الهاتفي الايجابي". أثمرت الجهود عن زيارة مدير مكتب الرئيس نجاد رحيم مشائي إلى عمان الأسبوع الماضي. استقبله في المطار رئيس الديوان الملكي المهندس ناصر اللوزي, ثم التقى الملك وسلّمه رسالة من الرئيس الإيراني تضمنت دعوة رسمية لزيارة طهران, ورغبة في تعزيز العلاقات الثنائية, وشكرا للأردن على "مواقفه الايجابية" في المحافل الغربية بسبب رفضه للخيار العسكري ضد إيران.
الملك وجه دعوة مماثلة للرئيس نجاد. وبعدها بأيام أرسل برقية عبر فيها عن تعازيه الحارة لشهداء التفجير الأخير الذي تبناه تنظيم جند الله.
تأمل عمان في أن تستضيف لقاء القمّة الأول. وهي مستعدة لطي مرحلة انتهجت فيها الحكومة سياسة حذرة تجاه إيران وأبقت مستوى التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية متواضعة بين البلدين, لا تتعدى 10 ملايين دولار في الاتجاهين.
عليها اليوم تعيين سفير أردني في طهران لشغل منصب شاغر منذ أشهر, لتجنب استمرار الفراغ الدبلوماسي. طهران أرسلت سفيرا جديدا قبل شهور, أكد في تصريحات مقتضبة عقب وصوله أنه قادم لإعطاء العلاقات الثنائية دفعة قوية, وبتوجيه من الرئيس نجاد .
الانفتاح على إيران "وتصفير أي التباس" مع هذا البلد يخدم مصالح الأردن على المدى الطويل لاستحالة استمرار ربط موقفه من طهران بالمعادلة الأمريكية-الإيرانية. بل بات ذلك ضروريا بعد انهيار مسيرة السلام في الشرق الأوسط, التي راهن عليها الأردن وغالبية العرب منذ انطلاق قطار المفاوضات عام .1991
ويستطيع الزعيمان البحث عن أرضية مشتركة قوامها مصالح اقتصادية وتجارية مدعومة بعوامل الجغرافية والتاريخ تساهم في تضييق مساحة الخلاف السياسي في عالم الدبلوماسية القائم على فن المستحيل.
الأردن سيستفيد كثيرا من تغيير تكتيكي, وليس استراتيجيا, تجاه إيران بخاصة بعد تراجع دور السعودية ومصر الإقليمي أمام صعود إيران وتركيا, وأيضا في ضوء فشل أمريكا لفرض السلام وخسارة نفوذها في المنطقة.
واشنطن فشلت في إقناع تل أبيب بتمديد قرار وقف الاستيطان لثلاثة أشهر أخرى رغم سلة الحوافز السياسية والأمنية المغرية على طاولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. في العراق, استغرقت محاولة تشكيل الحكومة الأخيرة شهورا عدة انتهت بإعادة تعيين نوري المالكي المقرب من طهران. هذه المعادلات تثبت بالوجه القاطع بأن كلمة إيران في العراق أعلى من كلمة الإدارة الأمريكية. وتستمر إيران في تعزيز وجودها في المنطقة عبر بوابة بغداد منذ سقوط نظام صدام حسين أمام الغزو الأمريكي. وهي تتمتع بنفوذ وروابط قوية مع سورية وحزب الله وحماس. كما أن لها تأثيرا وبنسب متفاوتة على المكونات الشيعية داخل العديد من دول المنطقة.
علاقات أفضل مع إيران تساعد الأردن على خدمة مصالحه في العراق مثلا, عبر توطيد علاقات اقتصادية أقوى مع القيادات القريبة من طهران والحصول على المزيد من النفط بأسعار تفضيلية وسط ظروف اقتصادية طاحنة. ألم تكن إيران وراء الانفتاح الاقتصادي الأخير بين العراق وسورية بعد عقود من التوتر والقطيعة?
واذا كانت وثائق ويكيليكس تكشف بأن دولا في معسكر الاعتدال العربي تصف التغلغل الإيراني في المنطقة بالأخطبوط خصوصا في لبنان والعراق والساحة الفلسطينية, فمن المؤكد أن علاقات أفضل مع إيران ستحول دون استهداف الأردن من قبل هذه "الأذرع", التي ستغير وجهة نظرها تجاه عمان عبر نظارة طهران.
علاقات أفضل قد تمكن الأردن من لعب دور لطي الأزمة النووية بين إيران والغرب, وتساعده على إفهام إيران بأن مصلحتها على المدى الطويل تأتي عبر التحدث مع الحكومات الشرعية في العالم العربي وليس عبر التنسيق مع أحزاب داخل هذه الدول.
وقد يخدم المصلحة العليا لو حصل تنسيق بين دول الاعتدال قبل لقاء القمة. عندها سيكون الملك قادرا على الحديث مع إيران بوجهة نظر هذه الدول حيال قضايا مهمة تمس أمن المنطقة واستقرارها. كما قد تساعد الأردن على التدخل لتحقيق مصالحة بين حماس وفتح بعد أن فشلت جهود السعودية ومصر. هكذا مصالحة تقوي الموقف العربي والإسلامي من الملف الفلسطيني لدى الحديث مع أمريكا وإسرائيل.
التنسيق مع دول الاعتدال قبل اللقاء ضروري أيضا حتى لا يتهم الأردن لاحقا ب¯ "التآمر" مثلا على مصالح السلطة لمصلحة حماس في حال أطلق حملة لتحقيق المصالحة بين الأشقاء الفلسطينيين. وحتى ولو شعر مسؤولون أردنيون, بخاصة الأمنيون, بأن هناك استهدافا إيرانيا للمملكة, فلماذا لا يجلس الساسة مع بعضهم بعض التخفيف حدة التوتر.
الأردن يقف اليوم في عين العاصفة, وهو يلج أصعب سنة قد تمر على المنطقة. مصلحته تكمن في تنويع أدواته وخياراته الدبلوماسية وتخفيف الكم الهائل من الضغوط السياسية الأمريكية والإسرائيلية, والاقتصادية الخليجية. وعلى سائر عواصم الاعتدال أن تقبل لعمان ما تقبله لنفسها. كما أن عمان تعرف بوضوح ماذا تريد من طهران ولا مجال للمساومة; عدم التدخل في الشأن الداخلي العربي أو تهديد المنطقة, عدم التحالف مع جماعات وأحزاب داخل هذه الدول. كما تريد حلا دبلوماسيا للملف النووي.
مصلحة الأردن تتأتى من خلال التشبيك الايجابي مع إيران لخدمة المصالح الأردنية والعربية, وتقليص الهيمنة الإيرانية في المنطقة.0
rana.sabbagh@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)