إن أردنا وصف العصر أو الزمن هذا الذي نعيشه وسط احتلال شبه تام لوسائل التواصل الاجتماعي و غياب واسع و شامل للمواجهات أو المناظرات أو حتى النقاشات يمكن وصف هذه الحقبة من حياة البشر بزمن " أضحكني "
فبنقرة زر يستطيع المرء كائنا من يكون أن يعبّر عن امتعاضه , عن استسخافه , عن عدم قبوله , عن رفضه لأي شخصية أو حدث أو تصرف بهذا الزر الذي يوفّره لنا مارك , فبات كل شيء يضحك , انطلاقا من الدولة للدين للدنيا للأرض للشجر وصول للحجر ,نعم الحجر فخبر اكتشاف أثريّ بسيط يدعي للفخر و الاعتزاز بكنوز الارض و اسهامات البشر بات خبراً سخيفا لدى البعض , فكل شيء بات يُضحِك ...
زمن الضحك هذا غريب , فبالرغم من تسميته بهذا الاسم إلّا أنّه بعيد كليّا عن معنى الضحكة الحقيقي , و كأنّنا نحن البشر عندما نتعمّق أو نقحم أنوفنا في شيء نُفسده , فقديما كانت الضحكة صريحة , و المذمّة واضحة ,الانتقاد لا غبار على عنوانه , و الاختلاف يخترق كل الابعاد ,,,, أما اليوم فقلّة تُناقش و قليل جدا أن نجد صفحات تُداعب العقل , فالكل في زمن " اضحكني " بات يستخدم هذه النقرة للتعبير عن رفضه دون ادنى محاولة للفهم.
فمثلا عندما نتصفّح انتاج مارك و نقرأ خبرا دينيّا يكون فيه اضحكني هو الوجه السائد , فهل يا تُرى جلب هذا الخبر الابتسامة لهذه الثُلّة , أمْ أنّ الضحك بات لغة تعبير جديدة ؟
وأما في نشاطات الافراد و افكارهم فزر اضحكني اصبح صفعة تُريد هذه الفئة المتحجرة بها أن تُقفل افواه العقول , فهل سيتراجع مارك يوما عن تخصيص الاحساسيس هذا ؟
في المدرسة كانت تقول لنا المعلّمة " الضحك بلا سببٍ ما هي إلّا قلّة أدبٍ " فهل يا ترى مرّت هذه الاصابع التي تُمارس الضحك بلا اسباب تُذكر برحلة المدرسة التربوية التأديبيّة الطويلة ؟
في عالمنا العربي المُتعِب المُتعَب , واحدة من أهم اسباب تراجعنا على كافة الاصعدة هي وأد النقاش , نحن لا نعرف كيف ننقاش , نضع الحدود و الحواجز أمام العقل ثم نسأل بكل بلاهة لماذا نحن هنا ؟ فغالبا نريد أن نضع نهايات لكل شيء , نريد نهاية للشك عنوانها اليقين , نريد نهاية للنقد عنوانه المجاملة , نريد نهاية للخلاف عنوانه عدم القبول الاخرس .
أما الاختلاف و قبوله فحدّث ولا حرج , فالعربيّ يتذمر إن أعدّت له زوجته في كل يوم ذات " الطبخة " أمّا على أرض الواقع فيريد ذات الطبخة , فهل يعقل أن نجد من يختلف معنا في العقيدة ولا نذمّه ؟ و كيف سنقبل افكارا نراها تحرريّة و هي في الواقع تليينيّة و لا نرجمها ؟
يطول الكلام و يتشعّب الشرح في هذه الظاهرة الغريبة , التناقض الرهيب بين المنزل و المدرسة , بين المثالية القاتلة و الرفض الموبوء للاختلاف , أما من يبقى على هامش الحياة في رقعة العرب , فينظر من بعيد لزمن أضحكني .... و بالكاد يضحك.