لماذا كل هذا الاستهداف للأردن ؟
د.بكر خازر المجالي
17-04-2023 04:14 PM
الاونة الاخيرة ربما منذ حوالي خمسة أشهر تقريبا، ومع تصاعد الوضع في الارض المحتلة وخاصة القدس ،بدأت تظهر حملات مباشرة وغير مباشرة، تستهدف الاردن بكل مفرداته، من المواقف السياسية، ومن محطات تاريخية، وحتى قيادته الهاشمية، وجيشه العربي، وكل الاشخاص الذين يتحدثون بعقلانية ومنطق عن حقيقة الوضع السائد.
الاستهداف للأردن وكأنه هو المسؤول الوحيد عما يجري في الارض المحتلة، وكل التبعات عليه، ولكن حين يكون هناك انفراج أو نجاحات معينة نلاحظ أن الذي يبرز جهات أخرى تتغنى بالانجاز ويكيلون لها المديح، بمعنى واضح أن مهمة الاردن تحمل الأسى فقط ولكن المغنم لغيره وهذا تصديقا للقول أن الاردن هو مثل خبز الشعير، وأعود الى مقال قبل أكثر من ستة سنوات حين أقترحت إضافة صورة رغيف خبز شعير للعلم الاردني.
وحتى في العالم كله للان حين يحقق من يحمل الجنسية الاردنية نجاحا فسرعان ما ينسبه الى أصله متناسيا البلد التي يحمل جنسيتها، ولكن إذا ارتكب عملا سيئا فإنه يقول أنه أردني وعلى الاردن أن يتحرك ديبلوماسيا وقانونيا لإنقاذه، فإذا كان مجرم حقيقي وتمت إدانته فإن هذا قد تم بتواطؤ من الاردن أو لعجز الاردن عن حماية رعاياه!!.
ولكن هل ننتبه الى مقالات عديدة ظهرت هي بحد ذاتها تمثل الابواق الصهيونية ولكن بثوب الواعظ الذي يدعو لحماية الاردن،؟
لا أعرف ما معنى ربط اي خطر أو تهديد وكأنه تهديد للأردن، ويبرع هؤلاء بتحذير الاردن وكأنه الحمل الوديع الذي ينتظر صباح عيد الاضحى؟
لا نعرف بعد لماذا لا تجرؤ هذه الاقلام عن التساؤل لماذا تخلو الساحة العربية من المدافعين سياسيا وماليا عن الاقصى والمسجد الاقصى سوى من الاردن الذي يضحي منذ عام 1924 وللآن عدا عن التضحيات بالدم؟؟
لا أعرف اية دولة لديها قوانين خاصة فيما يتعلق بالقدس والاماكن المقدسة كقوانين الاعمار وتعليمات التعامل مع الاسرى لدى سجون الاحتلال من موظفي الاماكن المقدسة التابعة لوزارة الاوقاف الاردنية. كمثال بسيط في عام 1980 اشترك أحد موظفي المسجد الاقصى بعملية ضد الصهاينة، واعتقل وتم سجنه حوالي 14 سنة، ليخرج هائما على وجهه ولم تتعرف عليه اية جهة نضالية ممن زجوه بهذه العملية حتى أن قائد العملية تلك بلغ منصبا رفيعا جدا، وراجع ادارة المسجد الاقصى ليحاول أن يعود الى وظيفته، وليتفاجأ انه لا زال على رأس عمله، وأن كامل حقوقه واستحقاقته محفوظة وهذا حسب تعليمات الحكومة الاردنية، فعادت له الحياة من جديد وأسس بيتا وتزوج، ولم يكن يعلم أنه وهو في المعتقل لا زال على رأس عمله لدى وزارة الاوقاف الاردنية. "هذه قصة واقعية التقيت بصاحب القصة وزرته ببيته"
ما قبل الربيع العربي كانت العواصم العربية من مثل دمشق والقاهرة وبغداد وطرابلس الغرب تعج بالمنابر التي يعتليها من أبناء هذا الوطن، ولكل واحد منهم "عداد" يحسب لهم قيمة المكافأة المأجورة بقدر ما يشتمون الاردن. وعندما تكسرت هذه الحنفيات أخذوا يبحثون عن غيرها ولكنهم انكشفوا ولم يستقبلهم أحد، فعادوا الى الاردن هذا الحضن الدافئ المتسامح وعاشوا ويعيشون مواطنين في مواقع مختلفة. ولكن تعشش في قلوبهم ما يعشش بانتظار الفرصة السانحة ليكشفوا عن اجنداتهم؟
أسئلة عديدة تدور في الذهن الذي يحتار احيانا بإعداد الأجوبة التي يعتقد أن بعضها هو تجريح وكشف للمواقف المزيفة لأولئك اصحاب الماضي والحاضر بحق شعوبهم وشعوب غيرهم، وهذا بسبب المصالح الشخصية التي تسعى لأن تبقى تلك الحنفيات التي يتغذون منها مفتوحة،
ربما تصدق بعض الامثال التي تنطبق على الاردن فعلا. ليس فقط مثل خبز الشعير بل وجزاء سينمار وغيره الذي قد نحتاج لأن نصنع له تمثالا تجريديا في احدى حدائق العاصمة. .
وكذلك نلاحظ استهداف الشخصيات الوطنية، فيحاولون التشكيك بتصريحاتهم، ويحللون بقلم أسود، وكأنهم يسعون لدفع هذه الشخصيات لأن تتوقف، وخلق حالة من التردد والاتهامية واعتبار كل وطني يتحدث عن وطنه هو "مسحج، متكسب، متسلق" وأصبحت الوطنية تقاس بقدر حجم ومرارة الانتقاد وعمق الشتم وتعدده والمعارضة غير المسؤولة، وأقلها دعوات طرد السفير الاسرائيلي وقطع العلاقات مع العدو والغاء اتفاقية وادي عربة، ولكن لا أحد يجرؤ عن انتقاد غير الاردن، ولا أحد لديه أدنى بديل أو حل لما يطلب، بمعنى هو دعوة الاردن لأن ينتحر من تلقاء نفسه ارضاء لرغبات مشبوهة وأجندات عديدة ملتوية، وأعيد للذهن حين كان الإعلان الفلسطيني ببرنامج النقاط العشر وكأن هناك او فعلا أن هناك مخططات يتصيدون الوقت المناسب لتنفيذها وأساسها أولا تفكيك الاردن عشائريا وجيشا وحكومة. "ارجعوا الى برنامج النقاط العشر في المؤتمر الوطني الفلسطيني في القاهرة عام 1972، وتفحصوا المواد الرابعة والخامسة والسادسة".
ربما على أكثر من صعيد يوجد مثل هذا الاستهداف، ويتم الحساب مزاجيا وهناك مجاملات للفئات الاخرى السوداوية واضحة تماما، وهذه تدفع الانسان الوطني الصالح أن يتساءل: ان مكاسب هذه الفئة كثيرة وهي محترمة ومقدرة عند البعض، فلماذا أنا ابقى المتصدي في الدفاع بلا أية مزايا ولو حتى كلمة شكرا ؟؟ بل ان القوانين كلها تنطبق علي وبشدة ؟؟ ما يدور في الرأس كثيرا، وأحيانا أرى أن تكسير هذا الرأس وتفريغه أفضل من هذه الحالة المحبطة التي نحياها.
أنا لست سوداويا، بل أنظر الى الافضل في بلد له من التضحيات والمواقف التي لا تحصى والتي لا أحد يستطيع أن يطاولها مطلقا، ثم تأتيك ما يأتيك ممن تقزموا وقتلوا وعادوا وصرحوا ولكن كل هذا باستثناء أن ينالوا العدو.
وأتساءل ما السبب؟
كل الفضائل والقيم العظيمة هي في بلدي،
كل المواقف الشريفة والتضحيات هي من بلدي.
بلدي يمارس عمليا كل الدعم الممكن وليس بكلمات من حروف ملوثة.
وأقول لماذا؟
ربما نجد أن اعلامنا هو جاد ورسمي ولا يخوض بتفاصيل متجنبا افتعال أية ازمة ديبلوماسية أو إحراج ما.
وأن ثقافتنا مثل اعلامنا: فقط نتيمم تاريخا، ونقول كلمات عامة، ونغني ونلحن ونشعر ولكن دون أن ننثر بذورا في الارض لتنمو ولنحصد وطنا زاهرا.
غابت عنا الكثير من محطاتنا التاريخية، تكاد الثورة العربية الكبرى أن تختفي من مناهجنا وندواتنا ومؤسسات المجتمع المدني، اختفت العديد من المناسبات التي اصبح ذكرها ديكورا اعلاميا وخبرا على الماشي وفقط الحكومة هي التي تحتفل وتوجه دوائرها للاحتفال في المناسبة
لا زلت أنا من الجيل الذي وعى كيف كنا نحتفل بكل مناسباتنا، فتمتلئ الطرقات باليافطات، وتتزين السماء بالاعلام وحتى اننا كنا ننشر البسط وعلى الشرفات وفوق الجدران، وتكثر الدبكات وغيرها،
العام المضي في يوم العلم الاردني طلبت الحكومة من الناس رفع الاعلام على منازلهم وعلى سياراتهم، أخذنا نراقب لنرى، ولم تتعدى نسبة من تقيد واستجاب عن 1% دون حساب الجهات الرسمية التي نشرت الاعلام تنفيذا وظيفيا للتوجيهات. وهذا العام لا اختلاف فكان احتفال العلم هو احتفال الحكومة فقط بعيدا عن القواعد الشعبية،
ربما جذور ما نتحدث عنه ليس بالجديد، وقد كان كلام جلالة الملك المؤسس الشهيد عبدالله الاول وهو يتحدث عن الاردن ورؤيته لفلسطين قبل أن تتحول الى قضية هذا الكلام هو من ملك سابق لعصره وفي استشراف لكل ما يجري الان، في عام 1938 وبتاريخ 24 أيار قبل 85 سنة من الان قال جلالته "الامير انذاك" "ولكن هذه فلسطين فاستعدوا لصلاة الجنازة عليها".
وهل هناك الآن من يريد أن يصلي على الاردن ؟؟؟؟