السودان بين عزيمة الجيش وارادة المخابرات
د. حازم قشوع
17-04-2023 11:41 AM
لم تعرف السودان منذ الاستقلال حالة استقرار آمنة في حين بقيت الجغرافيا السياسية فيها غير موحدة بالمفهوم الضمني كما الحالة الديمغرافية للمجتمع غير متجانسة ولا ماطرة قانونيا، وذلك بسبب غياب المواطنة التي كان يمكنها ان تشكل الحل لكل المشكلات التي يواجهها السودان، لكن النظام السياسي في حينها اختار بقاءه على حساب الجغرافية السياسية فكان التقسيم الذي جعل من السودان تصبح نصفين منقسمين بين اصول عربية شمالية عاصمتها الخرطوم وجذور افريقية جنوبية عاصمتها جوبا .
وعلى الرغم من هذا الشرخ النصفي الذي طال السودان بهدف حصولها على الامن والاستقرار الا ان هذا التقسيم زاد من الطين بلة كون للقوى الطامعة بمد نفوذها للسودان لتعود البلاد من جديد تأن من شبح التقسيم في ولاية النيل الازرق وولاية دارفور ولم يستطع نظام الرئيس البشير من حفظ الاستقرار.
السودان بعد حالة التململ التي شابت الجيش وحالة التذمر التي اظهرتها الاحزاب السياسية، فما كان من الرئيس البشير في حينها الا أن قام باعتقال كل القوى المعارضة وعمل على تشكيل قوى عسكرية من جهاز المخابرات عرفت بقوات الدعم السريع طبعا بهدف حفظ منظومة الاتزان الامني .
وبعد ان قام الجيش بانهاء حضور الرئيس عمر البشير وابعادة عن المشهد السياسي كان هناك توافق بين منظومة العمل العسكري بقيادة الجيش بزعامة البرهان والامنية / العسكرية منها بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" الذي كان قد شكل جهاز التدخل السريع من المنظومة الاستخبارية بين قوات الجنجويل وحراس المناطق الحدودية المشهورة بحراس الابل والتي تم دعمها وتجهيزها اقليميا حتى اصبحت قادرة على القيام لحفظ حالة الاتزان ..
وبهذا أصبح المشهد السوداني قائما بين اتجاهين الاول للجيش السوداني بزعامة الرئيس البرهاني وهو الاتجاه المؤيد عربيا وامريكا وبين اتجاه آخر تقوم عليه الاستخبارات بزعامة حميدتي وهو الاتجاه المؤيد بريطانيا والمناصر افريقيا من جوبا كما من اديس ابابا وهو التيار الذي يجعله مقبول عند افريقيا بينما الجيش قريب للمنظومة العربية .
نقطة الاشتباك هذه جاءت بعد اعلان الرئيس الإثيوبي ابي احمد ملء المرحلة الرابعة لسد النهضة مع الاستعاد العسكري للقوات المصرية في الاراضي السودانية الامر الذي جعل حالة الاشتباك بالسودان قائمة بين المصالح العربية والمصالح الافريقية هذا بالظاهر العام واما في الحالة الضمنية فانها قائمة بين تفاهمات "سينتكوم" التي تعتبر مصر جزءا منها ورابط "افريقا كوم" المؤيد القائمة بافريقيا وهذا ما يجعل من قواعد الاشتباك جمعيها مرتبطة بعقدة عسكرية واحدة ..
لكن حالة الاشتباك التي يشهدها القرن الافريقي اصبحت واجبة كما يصبح ذلك بعض المحللين وذلك قبل اجراء اعادة صياغة للمنطقة والتي ينتظر ان تطال الصومال وجيبوتي كما ارتيريبا واثيوبيا من مركز اعادة صياغة الجغرافيا السياسية بالسودان كما يتوقع ذلك بعض المتابعين، الامر الذي يجعل مسرح الاشتباك بالسودان يشكل بداية تغيير ينتظر ان يطال القرن الافريقي برمته وذلك بعد التوافقات الجيوسياسية التي سمحت باعادة توزيع مساحات النفوذ لاقليم البحر الاحمر من باب المندب الى جزر تيران وصنافير وهو ما جعل من السعودية تشكل مرجعية مصالحة لحالة الاشتباك السوداني بدعم امريكي وتأييد عربي وعدم ممانعة سودانية من كلا الفريقين الذين تربطهما بالسعودية علاقات خاصة نتيجة مشاركتهم معها عسكريا في حرب اليمن .
ولان نتائج المشهد السوداني سيعطي مؤشر للحالة القادمة لبيان زعامة القرن الافريقي التي تقودها مصر تاريخيا فإن اعادة صياغة المشهد بالقرن الافريقي وتوسيع اقليمة ليشمل البحر الاحمر برمته كان يستوجب ادخال السعودية كشريك رئيسي وهو ما اعتبر عنوان المستجد الجديد ، هذا لأن القرن الافريقي كان سيصبح تحت سيطرة الاغلبية الافريقية وهو المشهد الذي تؤيده بريطانيا وتعارضه امريكا الامر الذي دعا مجلس الامن لعقد جلسة مغلقة بسبب هذه التباينات الجيواستراتيجية.
وهذا ما يجعل من منطقة البحر ترزخ بين اتجاهين احداهما تجسدها عزيمة الجيش في عملية البسط والسيطرة والاخرى تقودها المخابرات لحفظ توازن المنطقة ، وما ترجوه ان تلتقى العزيمة مع الارادة ، لعودة السودان الى مكانتها ودورها للمشاركة في قيادة نماذج التنمية في اقليم البحر الاحمر الجديد .