رمضان يعيدنا، يروي لنا حكاياتنا قبل عقود ، قبل ثلاثة وثلاثين عاما يتكرر يعود بنفس الوقت .
قبل ثلاثة وثلاثين عام أين كنا ؟
أنا في الثالثة عشر من العمر : المؤذن الشيخ حسن أبو سمري ، والجميع أحياء : جدي ، جداتي، أبي، رجال يمثلون حقبة من حياة منطقة ، ترى ماذا كان يدور في خلدهم ؟
فقط آذن المغرب ، لحظة أن يتنحنح الشيخ حسن ويعلن : الله أكبر ، ينقضي نهار صوم ، أذكر أن لرمضان رائحة وأجواء وسماء وتراب وهواء غير هذه التي تباغتنا الآن ، كان يوم بحق ، والشهر امتداد لروحانية ما تزال تعلق في القلب .
أذكر أن القسوة لتلك الحياة لذيذة ، بطعم عصير السوس الحالك السواد الذي يحرص جدي على الإتيان به من سوق الحب في اربد قبل هلال رمضان .
السفيح الطويل الذي قامت جدتي بحياكته ، صحون الألمنيوم ،العجوة الشقراء والسوداء في قفة صنعت من سعف النخيل ، صحن سلطة البندورة بالطحينية ، و ابتسامة لا تغادر وجه أبي ، نقاء يطوف على محيا جدتي ، وهمه لا تلين ترافق حركات وسكنات جدي .
رمضان يحملني إلى هناك بعيداً عن الهواتف النقالة والشاشات التي نطالعها أكثر ما نطالع وجوهنا .
من منكم يذكر السماء والقمر والنجوم ، كيف نستلقي ليلاً فوق سطح منزل ننتظر وقت السحور ، وكيف كان المذياع مؤدباً : نسيم ابو خضير يأتي صباحاً ؛ فتدعو له جدتي : "الله ينّور قلبك يمه يا نسيم كأنه أحد أفراد المنزل" .
مداعبات محمود أبو عبيد قبل الإفطار التي ليس من الواجب فهمها .
صّنوا ؛ أمر جدي :" أذّن بأبو عبيده توكل على الله يا حج حسن" ، تنطلق " الله أكبر" ترتوي القلوب من ماء :" أبوي حسين من راس النبع" .