facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




سليمان عرار: العودة إلى الأرض!


كمال ميرزا
13-04-2023 12:53 PM

على مدار ليلتين رمضانيتين، أو بالأحرى فجرين، قرأت كتاب "الرجوع إلى الأرض" للراحل "سليمان عرار" الصادر عن جريدة الرأي سنة 1990، والتي سبق له وأن تولّى رئاسة تحريرها.

"سليمان عرار" هو "رجل دولة" أردني معروف، أيام كان ما يزال لمسمّى "رجل دولة" معنى ومؤدّى وقيمة ووجاهة ما.

المهم،، لستُ ممن يحبّون رجال الدولة عموما، ولستُ هنا في مقام مديح الراحل "سليمان عرار" أو ذمّه.

بحكم تباعد الأجيال، وبحكم محدودية إطّلاعي، أنا لا أعرف عن الراحل "سليمان عرار" ما يمكن أن أمدحه به أو أذمّه عليه، إلاّ للإنصاف، أنّني لم أسمع أحدا من الذين عاصروه وتعاملوا معه عن قرب، أو من الذين يُحيطون بسيرة الدولة الأردنية ورجالاتها، يذمّه أو يذكره بسوء، سواء لشخصه، أو لما أجراه بحكم عمله عبر المواقع الكثيرة التي تعاقب عليها.

وأقرب شهادة أملكها عن الراحل "سليمان عرار" هي شهادة الصديق العزيز الأستاذ "جهاد الرنتيسي" الذي عمل بمعيته عن قرب، ولطالما عبّر (أي جهاد) عن حبّه واحترامه وتقديره لشخص "سليمان عرار"، وكل الذين يعرفون الأستاذ "جهاد الرنتيسي" ونظافة يده وقلمه وطويّته يعرفون أنّه ليس مدّاحا، ولا ينثر الحُب والاحترام والتقدير جزافا.

بالعودة إلى "العودة إلى الأرض"، الكتاب ملتبس لا هو بالمذكّرات ولا هو بالسيرة الذاتية ولا هو بالخواطر ولا هو بالقصة الطويلة أو الرواية القصيرة.. ولكن هذا الالتباس هو جزء من خصوصية هذا الكتاب!.

"تداعيات"، قد يكون هذا أفضل وصف يمكن إطلاقه على "العودة إلى الأرض"، كيف لا وهو أشبه كما يصفه صاحبه بشريط الحياة الذي يمرّ أمام صاحبه عندما يداهمه خطر الموت!.

الكتاب مستلهم من لحظات الرعب الحقيقية التي مرّ بها الراحل "سليمان عرار" هو وشقيقه "خالد" أثناء عودتهما على متن إحدى طائرات الخطوط العراقية من "بغداد" إلى "عمّان" ثمانينيات القرن الماضي إبّان الحرب العراقية الإيرانية.

الطائرة تعرّضت لمحاولة اختطاف في الجو، تخللتها مواجهة بين المختطِفين وحرس الطائرة أسفرت عن: قتل المختطفين، قيام المختطفين بتفجير قنبلتين يدويتين قبل أن يسقطوا برصاص الحرس، إلحاق أضرار ببدن الطائرة أدت بها لأن تهوي نحو الأرض، ارتطام الطائرة بالأرض وانشطارها إلى نصفين في محيط "عرعر" بالسعودية، موت (73) شخصا ونجاة (18) من بينهم "سليمان عرار" وشقيقه "خالد".

وهنا أغتنم الفرصة للترحّم بأثر رجعي على الأبرياء الذين قضوا في هذا الحادث الأليم، والترحّم على الناجين الذين عاشوا وأفضوا إلى ربهم بعد هذا الحادث، والدعوة بموفور الصحة والعافية وطول العمر للناجين الذين ما يزالون على قيد الحياة.

وبالعودة للكتاب، فإنّ هناك عدّة أمور تستوقفك أثناء القراءة وبعد الانتهاء منها:

أولا: أسلوب الراحل "سليمان عرار" الرشيق في السرد والتعبير، والذي يجمع بين المتعة، وتسلسل الأفكار ووضوحها، والانتقال السلس في استدعاء الذكريات واستحضار المواقف والتجارب خلال الأحداث.

الأستاذ الراحل "محمود الكايد"، وفي معرض تقديمه لكتاب "العودة إلى الأرض"، عزا هذه الرشاقة والسلاسة والخلو من التعقيد والإيهام إلى أنّ "سليمان عرار" هو "كاتب صحفي قبل أن يكون وزيرا أو نائبا أو رئيسا لمجلس النوّاب".

ولكنني أضيف على هذا الكلام نقطتين: الأولى أنّ هذه كتابة شخص لديه شيء يريد أن يقوله ويوصله للقارئ، ولا يريد أن "يشبّح" على القارئ ويستعرض عليه عضلاته اللغوية والفكرية والإبداعية كما يفعل كثير من الكتّاب والأدباء، والثانية أنّ هذه كتابة شخص متصالح مع ما يقوله ويعني ما يقوله.

ثانيا: الكتاب يعطي صورة نفتقدها لرجل الدولة أو الشخصية العامة أو السياسي، وتكاد تكون منقرضة لدى الأجيال الحالية والشابة من هؤلاء.

في "العودة إلى الأرض" نحن أمام رجل دولة على مقدار واسع من الثقافة والمعرفة والإطّلاع، وحب الشعر والتاريخ، والصلة بتراثه ودينه والاعتداد بهما، وعدم انسحاقه تجاه الآخر الغربي من دون التقليل من شأنه، والقرب من تفاصيل مجتمعه بعاداته وتقاليده وخصوصياته، وامتلاك موقف اجتماعي وفلسفي وجمالي، وامتلاك رؤية واضحة (اتفقتَ معها أو اختلفتَ) لما يريده لوطنه وما يريده من نفسه كمسؤول، وامتلاك حس نقدي تجاه أي أوجه خطأ وضعف وتقصير بعيدا عن ذلك الفهم الضيق "للولاء والانتماء" الذي يصل حد "التعامي" و"الإذعان" و"التواطؤ" لدى مسؤولي هذه الأيام.

ثالثا: الحِس الانثروبولوجي الكامن لدى الراحل "سليمان عرار"، وهي سمة تتكرر كثيرا لدى أبناء ذلك الجيل، ربما بحكم جمع غالبيتهم ما بين الشهادة العلمية والتحصيل الأكاديمي والمنصب، وفي نفس الوقت احتفاظهم بارتباطهم العضوي بمجتمعهم وصلتهم الفيزيقية بالواقع.

رابعا: الفجوة التي تستشعرها عندما تقرأ لدينا نحن الفئات الأصغر عمرا تجاه التاريخ الاجتماعي والسياسي لبلدنا برجالاته وأحداثه ويومياته، وقصور المناهج والإعلام والصناعات الثقافية والإبداعية والسردية الرسمية بهذا الخصوص!.

كتاب "العودة إلى الأرض" حريٌّ بأن يتم تضمين مقاطع منتقاة منه ضمن مناهج القراءة في المدارس أو مساقات التذوّق الأدبي في الجامعات.

كما يستحق الكتاب أن تتم إعادة طباعته، وإتاحته للقطاع الأوسع من القرّاء، من خلال مشروع "مكتبة الأسرة" على سبيل المثال أو أي قناة نشر مشابهة.

واسع الرحمة والمغفرة للراحل "سليمان عرار".

وكلّ الحب والتقدير لشقيقه الأستاذ "خالد عرار"، الناجي من الطائرة، والحاضر الغائب في كتاب "العودة إلى الأرض"، والذي يستحق بالنسبة للعارفين برجالات الوطن الحقيقيين وشرفائه أن ننحني له احتراما بمعزل عن كونه شقيق الراحل "سليمان عرار".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :