منذ عدت من جامعة الينوي وانخرطت في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية عام ١٩٨٩، وجامعاتنا الرسمية والخاصة تعتبر أن كل 'حامل لشهادة الدكتوراة‘ قادر على التدريس بكفاءة عالية وعلى توصيل المعلومة للطلبة بشكل جيد وكذلك على التعامل مع تكنولوجيا التعليم .
لا زالت طريقة تقييم المدرس الناجح تعتمد على تقييم الطلبة والذي غالباً ما يكون مُضللاً ولا يعكس الاً جزأً يسيراً مما يجري في قاعة التدريس.
منذ انخراط الحاصل على شهادة الدكتوراة في العملية التدريسية، لا يعلم بما يجري في قاعة التدريس إلا اللة سبحانه وتعالى والمدرس والطلاب والذين غالباً ما لا يُفصحون عما يحدث وإن أفصحوا لا يجدون من يستمع لهم .
منذ انخراط المدرس في العمل الجامعي يضع نصب عينية الترقية من أُستاذ مساعد الى مشارك ومن ثم الى أستاذ وقد يكون الحصول على ما يُسمى بالمنصب (الكرسي) أولوية أخرى لا تقل أهمية عن الأولى سيٌَما وأنه لا بوجد أية معايير معتمدة لتولي المنصب سوى الرتبة الأكاديمية وقُوة العلاقات مع أصحاب القرار في الجامعة والمتنفذين خارجها.
لا ألوم الزملاء على أولوياتهم في نظام لا يعتمد على الكفاءة ولكن تحكمه العلاقات والعائلة والنسب والقدرة على التسحيج مع أنني لا أنكر أن كفاءة البعض من الزملاء وإمكانياتهم العلمية وقدرتهم على التميز تُساهم بوصولهم أحياناً الى ما يستحقون رغم النظام.
لا أنكر أهمية البحث العلمي حتى لو كان بهدف الترقيةـ ولكن اقول أن الاولوية في جامعاتنا يجب أن تكون للتدريس أولاً ومن ثم الانتاج البحثي علي الجودة والذي غالباً ما يؤدي للترقية ولا يضيف ما يذكر للتنمية والصناعة.
أغلب مؤسساتنا التعليمية تضع البحث العلمي في رؤية الجمعة ورسالتها والتي ينتج عنها الخطة الاستراتيجية والتي غالباً ما تكون حبراً على ورق.
مرة أُخرى لا أهدف الى انتقاد أية جامعة ولكن أتحدث عن التعليم العالي بشكل عام وبعد مسيرة ٣٩ سنة في سلم التعليم العالي أعتقد بقدرتي على النقد البناء والهادف الى تغيير جذري في الأساليب التدريسية واستعمال تكنولوجيا التعليم وتقييم القدرة على توصيل المعلومة ومن ثم تشجيع البحث العلمي التطبيقي اللبنه الأولى للتنمية وبناء الاقتصاد في عصر التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي والذي يسمح لنا بمنافسة الدول المتقدمة لو أحسنا استخدامة.
نحن بحاجة ماسة لتسليح خريجينا بالمهارات اللازمة والقدرات المناسبة للوظائف الجديدة بعد الثورة الصناعية الرابعة مع الأخذ بعين الاعتبار أن كثيراً من الوظائف الحالية في طريقها للإنقراض وقد لا يُصدق البعض أن مهنناً هامة اليوم مثل المحاماة والطب لن تكون متاحة الا للمتميزين فقط وخير دليل على ذلك تطبيق IBM Watson و Chat gpt وتطبيقات أُخرى كثيرة.
أختتم بالقول بأنني لا أقصد بمقالتي أية جامعة بعينها ولا أي زميل مهنة، ولكن أرجو من كل من يتحسس من صراحتي أن يُراجع حساباته ويتذكر أن رسول البشرية يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" ولا شك أننا قادرين على أكثر من القلب.
السباق المحموم بين الجامعات على التصنيفات العالمية وعلى الحصول على اعتمادات البرامج المختلفة والافراط في حوافز البحث العلمي ينبغي أن يتزامن مع الاعتناء بتطوير قدرات أعضاء هيئة التدريس وايجاد وسائل جديدة لتقييم القدرات التدريسية بدلاً من اضاعة الوقت بتقييم إداء رؤساء الجامعات والتي لا تسمن ولا تغني من جوع وخصوصاً أننا لم نلحض أي تحسن في مخرجات التعليم في جامعاتنا المختلفة ولا أعتقد أن تغيير الرؤساء يؤدي الى أي نتيجة ما دامت الطرق المعتمدة في الاختيار هي ذاتها والتي تعتمد على عوامل كثيرة أهمها تأثير أصحاب النفوذ والعلاقات الوثيقة مع أصحاب القرار ومدى رضى الدوائر الأمنية المختلفة والتداخلات.
حما الله الاردن وأخذ بيد المخلصين من أبناءه على إحداث التغيير الايجابي والذي يضع المؤهلات والقدرات في مقدمة المعايير لنتبوأ مكانتنا بين الامم أُسوة بمن سبقنا من دول العالم الثالث (هذا إذا لا زلنا نعتقد اننا ننتمي للعالم الثالث أو حتى السابع) مثل ماليزيا واندونيسيا والباكستان وسنغافورة.
لا شكَّ أن التعليم هو الركيزة الاساسية للتقدم واللحاق بركب التكنولوجيا والحضارة علما. بأن التعليم يبدأ بالأُسرة ومن ثم بالمدرسة نهايةً بالتعليم العالي المؤدي لسوق العمل وتجنب طوابير الخريجين بلا مهارات وقدرات يحتاجها سوق العمل المتغير بسرعة كبيرة.
مرة أُخرى أُأكد أنني لا أتهم أحداً بعينة ولا مسؤلاً بصفته الشخصية ولا مؤسسة بذاتها ولكنني صاحب رسالة وشاهد على مسيرة التعليم الثانوي والعالي الذي يسير بخطاً حثيثة نحو الهاوية.
لا زال التغيير ممكناً إذا إعترفنا أولا بوجود المشكلة شريطة ألا ندفن رأسنا في الرمال ونستمر بالمكابرة والتشدق فلا يمكن إيجاد أي حل لمشكلة غير موجودة.
تحياتي وتقديري للجميع وأتمنى فتح حوار وطني حول هذا المحور كخطوة أُولى في طريقنا الطويل لخدمة الأجيال القادمة على الأقل بعد أن هرمنا على رأي ابن تونس البار.